بقلم:عيسى ناصر المطيري
قليلة هي الأسماء التي تترك في الذاكرة مكانا في زحمة الانشغالات، وأعباء الحياة وأثقالها، ولكن «بوحمد» موسى أبو طفرة - رحمه الله تعالى - الذي رحل دون استئذان العام الماضي، ترك في نفوس محبيه جرحا لا يندمل، وكسرا لا ينجبر، فهو الأب الحنون في بيته، والمعلم المحبوب في مدرسته، والإعلامي الصادق في جريدته، والصديق الصدوق بين أصحابه، والابن البار بأمه وإخوانه.
بوحمد علم من الأعلام الذين لم يملكوا المال والمنصب، وإنما ملكوا القلوب بأخلاقهم وتواضعهم ومسارعتهم لفزعة المحتاج ونصرة المظلوم، لم يرد سائلا طرق بابه ولا محتاجا لمعونة قصد شخصه، كل من يعرفه أحبه حتى من لم يره، بل كان جسرا لتمرير حاجة أو دفع ظلم أو رد مظلمة.
آه يا ابن العم، كم أشتاق إلى كلماتك المحفورة في ذاكرتي، وعباراتك المحفزة لتلاميذك على الدرس والاجتهاد، لقد كنت عنوانا من عناوين الوفاء والمحبة والإخلاص، ويكفيك فخرا أنك قبل رحيلك كنت في بر والدتك، تحوطها برعايتك وتسافر في خدمتها وتعمل على راحتها، إلى أن تلقتك العناية الإلهية وأنت على سرير الصحبة.
كم من موعد وعدته ولقاء منيت محبيك به لم ينعقد، وكم من جلسة في الديوانية كنا ننتظرها بفارغ الصبر باتت من الذكريات، مكانك الذي كنت تجلس فيه في الديوانية وحديثك مع الإخوان ونظراتك الحنونة لحمد وناصر لاتزال تطوف في المكان، كل زاوية لنا فيها ذكرى لا تنسى، فهنيئا لك يا ابن العم ثناء المثنين وبكاء الباكين وحسرة المتحسرين، ففقدك لم يكن فقد رجل وإنما هو بنيان قوم تهدم، ولا أغالي إن قلت فقدنا برحيلك جزءا منا.
ولعل ما كتب في حقك من رثاء هو أبلغ دليل على ما تركته في نفوس محبيك، فها هو زميلك العم يوسف عبدالرحمن من جريدة «الأنباء» يرثيك بقوله:
علوت إلى مصاف الراحلينا
وجاورت الكرام الفائزينا
أبا حمد هي الأقدار تقضي
بما قد شاء رب العالمينا
وجاءك «هادم اللذات» يسعى
وفارقت الأحبة والقرينا
دعونا الله بالرحمات دوما
إلى الفردوس.. يا موسى الأمينا
في كل وقت سأذكرك، سأذكر مجالسك التي لا تنسى، سأنشر سيرتك بين الناس، سأحكي لهم قصة من ترك الدنيا من أجل الوالدة ترك الزوجة والولد والأهل والأصحاب من أجل برها ورضاها، فهنيئا لنا بك وهنيئا لك الرضا والنعيم.
ما يعزيني في رحيلك أن الآخرة تجمعنا فنلتقي في ظل الرحمن، سأحمل هذه المعاني التي تعلمتها منك وهذه الخصال في ذاكرتي، وكم كنت أتمنى أن يخلد اسمك في الذاكرة عبر إطلاق اسمك على أحد المعالم التربوية وتكتب سيرتك بأحرف من نور، فالمرء لا تخلده إلا فعاله وثناء الناس عليه بالخير، فنم يا ابن العم قرير العين فإن وراءك ألسنة تدعو الله لك على الدوام بالرحمة والمغفرة.