مع تطور أساليب التعاطي مع الحياة اليومية سواء كانت من خلال الأدوات والتقنيات الإلكترونية والعالم الرقمي أو من خلال تغير نمط الحياة الاجتماعية، والذي بدأ من خلاله الإنسان في الانغماس بشكل كبير بهذا العالم المبرمج حتى بتنا نشعر كأن البعض منهم ليسوا سوى شخصيات افتراضية لم تعد قريبة من الواقع ولا تعيشه بكل تفاصيله الجميلة مهما كان بحلوها أو مرها، وحولتنا إلى أسرى لتطبيقاتها وأجهزتها لاغية جزءا كبيرا من ذاكرتنا لتحل محلها ذاكرة الهاتف المحمول أو الأقراص المدمجة وغيرها من وسائل الحفظ الإلكتروني، فبات بعضنا لا يعرف رقم هاتف والده أو والدته وحتى أبنائه، في حين كانت ذاكرتنا تتسع لبيانات الجميع.
لست ضد التطور واستخدام التكنولوجيا في الحياة اليومية، لكن المشكلة في هذا العالم الافتراضي الذي بات واقعا حقيقيا ونحن سكانه على الرغم من وجود وسائل الاعلام التقليدية التلفزيون والاذاعة ووجود صحف ورقية يومية تبث أخبارها الكترونيا، إلا أن الجمهور يتملكه شغف كبير لمتابعة حسابات الكترونية تحت أسماء مستعارة لشخصيات نجهلها، أي وهمية، وتكاد تكون الأصدق بالنسبة له، ويتصفح مواقعها لمعرفة ما وراء الخبر، على الرغم من أنها تمارس الشكل نفسه في استقاء المعلومة كالتي تعمل عليها الصحف، إلا أن هذه الحسابات تحتمل النزاهة والصدق في بعضها والإشاعة وعدم المصداقية في البعض الآخر.
هذا العالم الافتراضي الذي بات كثيرون يدورون في فلكه راج بفعل ملازمة الناس لأجهزتهم لفترات طويلة من ساعات اليوم الواحد، وسيطرت الصورة والفيديو على سلوك البعض للتعبير عن يومياتهم، لاغية معها الكثير من العادات الاجتماعية الجميلة كالتهاني المباشرة بين أفراد الأسرة الواحدة في المناسبات والأعياد لتحل محلها صورة في «الواتساب» على سبيل المثال، فيما خلقت من الناحية الأخرى حالة من التفاخر والبذخ وعرض يوميات الأشخاص بشكل غير محبب لمجرد التباهي و«الشو» غير المبرر.
دخول التكنولوجيا حياتنا استغله البعض بشكل خاطئ، ومن يقرأ المشهد يدرك أنها لن تؤثر على عقل الانسان الواعي وحياته، فعندما بدأ عصر الميكنة فعليا في أوروبا في القرن التاسع عشر شعر الناس بالخوف كونها هددت الايدي العاملة وأثرت على وجودها وفاعليتها، وبالفعل تم الاستغناء آنذاك عن الكثيرين على مر الزمن، إلا أن الصناعة اليدوية أصبحت بعد فترة من الوقت الأعلى سعرا لعدد من السلع ومن بينها السيارات الفاخرة كونها «هاند ميد»، لذا لن تغيب التكنولوجيا العقل الواعي لمن أراد، ويجب عدم الاستسلام لوجود افتراضي لنمط حياتنا، وعدم تكريسها كحقيقة مطلقة والأخذ منها ما يلزم فقط، حتى في حياة أطفالنا الذين صادق الكثيرون منهم شخصيات الألعاب الالكترونية عوضا عن أولاد الجيران وزملاء الصف مما يستوجب وقفة لتعزيز الواقع والشخصية الحقيقية في نفوسهم.