- أصبح لزاماً أن تعيد الدولة صياغة رؤية 2035 ورسمها بما يتناسب مع ما خلفته وما ستخلفه مستقبلاً أزمة «كورونا»
- ميزانية البرامج والأداء تساعد في رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتعظيم الاستفادة من موارد الدولة المختلفة
- موازنة البرامج والأداء ما هي إلا مرآة عاكسة لبرنامج عمل الحكومة وتهدف إلى إنجاز خططها بشكل سريع وبدقة عالية
بقلم: بدر مشاري الحماد.. نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
[email protected]
ما إن أعلنت الدولة رؤيتها الجديدة (الكويت 2035) في 2017 والتي تهدف الى تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري وثقافي إقليمي جاذب للاستثمار، حتى وضعت الدولة خططها وأولوياتها تنفيذا لتلك الرؤية والتي ترتكز على عدة ركائز أساسية، كما تشتمل الرؤية على عدد من البرامج والمشروعات الاستراتيجية التي تحقق قدرا كبيرا من الأثر التنموي وصولا لتلك الرؤية في حلول عام 2035.
وفي ظل أزمة جائحة ڤيروس كورونا وانعكاساتها ذات الأثر البالغ والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد الوطني والمركز المالي للدولة، اصبح لزاما بأن تعيد الدولة صياغة رؤيتها (رؤية الكويت 2035)، ورسم تلك الرؤية بما يتناسب مع ما خلفته وما ستخلفه مستقبلا ازمة الجائحة، سواء من حيث الأهداف الاستراتيجية لها او من حيث نطاقها الزمني.
ولعل من الأهمية في ظل الأوضاع الحالية ان نعيد النظر في العديد من السياسات المالية والاقتصادية بما يتلاءم مع الظروف الجارية، وخصوصا ان تتم إعادة النظر في بعض الأدوات المالية التي من شأنها أن تسهم في تحقيق التخطيط المالي السليم والرقابة المؤسسية الفعالة، ومن اهم تلك الأدوات هي نوع الموازنة التي تتبناها الإدارة المالية العامة للدولة.
فالإدارة المالية العامة للدولة حاليا تنتهج ميزانية البرامج والبنود التي تعتبر نوعا من أنواع الموازنات التقليدية، وقد يكون هذا النوع من الموازنة قد حقق أهدافه في الوقت الذي تم تبينه وذلك نظرا لسهولته وبساطته، لكن في ظل التطور المتسارع في عالم الاقتصاد والمالية العامة، وفي ظل استخدام الخطط متوسطة وبعيدة المدى، فلم تعد موازنة البرامج والبنود وسيلة فعالة للتخطيط والتقييم والمسائلة، بل أصبحت عائقا لعمليات الإصلاح المالي والاقتصادي، لذلك اصبح التوجه الى موازنة البرامج والأداء ضرورة ملحة، خاصة في ظل الأوضاع الحالية والتي تعاني فيها الموازنة العامة للدولة من عجز مستمر ينهك الاحتياطيات السيادية، ومن المتوقع ان يستنفدها على المدى المتوسط في حال الاستمرار في هذا النهج في إدارة المالية العامة، مما يجعل إعادة النظر بتبني موازنة البرامج والأداء وسيلة فعالة وبوابة للإصلاحات المالية بالإضافة الى انها ضرورة ملحة.
وتساعد ميزانية البرامج والأداء في رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعظيم الاستفادة من موارد الدولة المختلفة، وما يميز موازنة البرامج والأداء بأنها ترفع من مستوى الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين وتطويرها، والتي حاليا تعاني من تدني جودتها مقارنة بكلفتها، حيث أصبحت محط انتقاد من قبل المواطنين، كما تسهم ميزانية البرامج والأداء في ترشيد الإنفاق الحكومي لتنفيذ البرامج والأهداف من خلال اختيار أفضل الخيارات بأعلى جودة وبأقل التكاليف.
وما يميز موازنة البرامج والأداء أيضا انها وسيلة فعالة لتقييم الإدارة الحكومية ومدى فاعليتها وكفاءتها، وتحديد المسؤوليات الإدارية مما يجعلها أداة مهمة في المساءلة على الأداء من خلال مؤشرات أداء تنفيذ الأهداف والبرامج.
إلا ان هذا النوع من الموازنات يتطلب كوادر بشرية فنية قادرة على تلبية متطلبات التعامل مع ميزانية البرامج والأداء، وللأسف قد أثبتت الدراسات وجود ضعف كبير في بناء القدرات البشرية الفنية والتي ترجع الى عدة عوامل، منها ما يتعلق بضعف التدريب الفني وبناء القدرات، ومنها ما يتعلق بنظام الاختيار والتقييم والمساءلة خاصة بالنسبة للوظائف القيادية والاشرافية والتي من المفترض ان تقود عملية الإصلاح، ومن دون ذلك سنجعل عملية الإصلاح مسألة صعبة ونظرية اقرب من انها عملية.
كما يتطلب ايضا وجود أنظمة آلية ومحاسبية ونظم معلومات وتكاليف تواكب تطبيق ميزانية البرامج والأداء، فعلى الرغم من قيام وزارة المالية بالتطبيق الفعلي لنظم إدارة مالية الحكومة (GFMIS) ابتداء من 1 أبريل 2016 باستخدام تطبيقات (Oracle)، والتي هي تهدف بالأساس الى توفير دورة مستندية متكاملة آليا، وتطوير كفاءة وأداء وفاعلية الأعمال والقائمين عليها لدى الجهات الحكومية، وذلك تماشيا مع المعايير المحاسبية الحكومية الدولية، إلا انه لا يوجد أي مؤشرات مؤكدة توضح مدى تحقيق تلك الأهداف، خاصة ان مستهدفات التحول الأساسية الى نظام الاستحقاق لم تتحقق وهو جوهر نظم إدارة مالية الحكومة (GFMIS)، خاصة فيما يتعلق بنظام الموازنة.
ولعل من التجارب الإقليمية الناجحة في مجال تطبيق موازنة البرامج والأداء تجربة دولة الإمارات التي سبقتنا في هذا المجال بشوط طويل، حيث طبقت الإمارات هذا الأسلوب من الموازنات في نهاية 2001 والتي كانت بشكل تجريبي ومرحلي، وصدر في 2005 تقرير لتقييم تلك التجربة، وقد حصلت الإمارات على المرتبة الأولى عالميا في مجال كفاءة السياسة المالية الحكومية، كما حصلت على المرتبة السابعة في كفاءة الإدارة المالية في القطاع الحكومي من أصل 59 دولة تضمنها تقرير التنافسية العالمي في عام 2012 الصادر من المعهد الدولي للتنمية الإدارية بسويسرا.
وفي سياق الإجراءات الحكومية الهادفة الى تطبيق الإصلاحات المالية في الإدارة المالية العامة للدولة، وعلى الرغم من تأخر الكويت في هذا المجال، فلا سبيل لتطبيق تلك الإصلاحات إلا من خلال إعادة النظر في أسلوب إعداد الموازنة العامة للدولة، خاصة في ظل اهتمام المواطن بالإجراءات المتوقع تبنيها من قبل الحكومية والمتعلقة بإعادة النظر في الرسوم والضرائب، حيث يتوقع المواطن ان تكون الخدمات الحكومية بكفاءة عالية على قدر تلك الرسوم، كما يتوقع ان تكون الإدارة المالية للدولة تتسم بالحوكمة والمصداقية والشفافية، خاصة انه يقع على عاتق الدولة رفع الوعي المجتمعي في هذا الشأن.
فموازنة البرامج والأداء ما هي إلا مرآة عاكسة لبرنامج عمل الحكومة، وتهدف الى إنجاز خططها بشكل سريع وبدقة عالية، إضافة الى رفع الأداء الحكومي وتحسينه من خلال ربط الموازنة بالبرامج في ظل وجود مؤشرات لقياس الأداء وتقارير عالية الجودة وصولا الى مبدأ المساءلة كمنهجية للرقابة.