* م.سالم الحبيط العجمي - خبير الطاقة المتجددة المعتمد من المركز الأوروبي للطاقة - وعضو المجلس العربي للطاقة المستدامة
مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بسعة 1500 ميغاواط، يعتبر المرحلة الثانية من مشروع مركز الشقايا للطاقة المتجددة والذي تم الإعلان عنه منذ انطلاقة رؤية صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في مؤتمر الاقتصاد الدولي بالدوحة في ديسمبر 2012، بحيث المفترض أن يتكون مركز الشقايا من 3 مراحل بقدرة إجمالية 2 غيغاواط لتساهم مصادر الطاقة المتجددة بـ 15% من الطلب على الكهرباء بالكويت بحلول 2030.
وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى وتشغيلها كليا في 2017 بقدرة إجمالية تبلغ 70 ميغاواط موزعة على 50 ميغاواط طاقة شمسية حرارية، و10 ميغاواط طاقة رياح، و10 ميغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية.
والمرحلة الثانية من مركز الشقايا، مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية الكهروضوئية 1500 ميغاواط، كان من المفترض أن يتم تشغيله في فبراير 2021، ولكن تأجل الموضوع قبل الترسية بفترات كثيرة حتى جاء إعلان مجلس الوزراء في 12 الجاري بإلغائه كاملا، بسبب وباء كورونا.
أسباب الإلغاء
والمختصون في مجال الطاقة المتجددة يعلمون أن سبب إلغاء المشروع، يرجع إلى وجود كثير من التحديات الإدارية والفنية وكذلك التنظيمية، التي انعكست على عدم استمراره بدءا من انسحاب 21 شركة مؤهلة في خوض تقديم العطاءات، حيث كان أهم هذه التحديات موقع المشروع الذي يبعد أكثر من 100 كم عن المحطة التي يربط بها، وبالتالي أصبح من ضمن مشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية مشاريع داخلية متنوعة مكلفة ومعقدة، أهمها خطوط الكهرباء الهوائية طويلة جدا تفوق 100 كم نحو محطة الصبية.
بالإضافة لمحطات كهربائية متفرقة مما جعل المشروع يخوض غمار نوع جديد من عقود الطاقة يسمى (PCOM) والذي يدمج جزئيا بنوع من المشاريع بطريقة (EPC) والتي يقصد بها التصميم الهندسي والتحصيل والإنشاء لجزء من المشروع بالإضافة لإنشاء وتشغيل وصيانة محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية لمدة 25 سنة. وذكرت شركة البترول الوطنية الكويتية في أكثر من مناسبة سابقة أن بطء الدورة المستندية وتخصيص الأرض يشكلان عرقلة في مسيرة المشروع.
صعوبة الاتفاق
والتحدي الآخر كان في عدم الوصول للاتفاق على الأقل نصا بين شركة البترول الوطنية ووزارة الكهرباء والماء بخصوص سعر بيع الطاقة المنتجة من قبل الشركة نحو شبكة الكهرباء.
شركة البترول الوطنية كانت تتأمل أن تحصل على سعر كيلوواط ساعة مقارب لسعر تكلفة الكهرباء المنتجة على الوزارة والتي تقدر بـ ٣٥ فلسا/ كيلوواط ساعة، ولكن وزارة الكهرباء كانت تميل إلى أن الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية تخصم من كمية الطاقة المستهلكة من مرافق شركة البترول الوطنية بفكرة تقارب لما يسمى «Net Metering»، وغياب هذه الاتفاقية بينهما لا شك سببت ذبذبة بتقدير الجدوى المالية وأعتقد قد تكون أحد الأسباب الرئيسية في فشل وإلغاء استمرارية المشروع.
وأحد المشاكل الرئيسية في مشروع الدبدبة أن شركة البترول الوطنية كانت تتأمل من المشـــروع أن يكـــون مربحا لها من خلال ضخ كل الطاقة اللـــحظية المنتجة من الطاقـة الكهروضوئية إلى الشبكة وهذا ما تم من خلال وعود شفهية من بعض المسؤولين السابقين بالوزارة، ولكن في اللحظات الأخيرة تبين لهم أن الشبكة الكهربائية قد لا تستطيع استيعاب أكثر من 15% من الطاقة الشمسية المنتجة مما يشكل خسارة كبيرة في الدراسات الجدوى المالية.
هذه العراقيل للأسف كان من الممكن تفاديها وتجنبها كما نجحت فيه كثير من الدول المجاورة في تخطيها وكذلك تجارب الدول العالمية المتقدمة.
خطوات يجب مراعاتها لنجاح مشاريع الطاقة الكبيرة
أهداف إنشاء مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية كثيرة، أهمها تقليل الاعتماد على محطات الوقود الأحفورية أهمها النفط كون سعره في السوق العالمي أعلى من أن يحرق في إنتاج الطاقة وأيضا حتى يزيد من المخزون النفطي العام للدولة، كما ستساهم بتقليل الانبعاثات الكربونية ومن خلالها تقلل الأضرار البيئية من محطات الكهرباء التقليدية.
ومن أهم أهدافها أيضا خلق فرص عمل حقيقية للكوادر الوطنية والذي سيتحقق عند تكامل مؤسسات الدولة المختلفة، حيث أعلنت الإحصائيات العالمية أن الطاقة المتجددة خلقت أكثر من 52 مليون وظيفة في العالم منذ 2012 وحتى الآن، ونحن في الكويت خلال السنوات الـ 8 ومنذ انطلاق الرؤية نحو الطاقة المتجددة لم تستطع الحكومة بخلق أي فرص وظيفية للشباب بل العكس تضخمت أعداد المهندسين بالمئات وهم عاطلون في قائمة انتظار ديوان الخدمة المدنية.
ولا تعتبر مشاريع الطاقة المتجددة ناجحة في البلد إذا لم تخلق حركة اقتصادية داخلية بالاعتماد على إشراك الشركات المحلية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بالمشاركة الفاعلة في هذه المشاريع سواء في عمليات التصنيع أو التركيب وكذلك التصميم والإشراف.
ولا يمكن لدولتنا تحقيق هذه الأهداف إن لم تكن هناك هيئة متخصصة تضع الاستراتيجيات قريبة المدى وبعيدة الأجل تكون منبثقة من وزارة الكهرباء المتخمة بالتحديات والمسؤوليات الأنظمة التقليدية على غرار ما قامت به كثير من الدول الشقيقة والعالمية.
تداعيات الإلغاء على مشاريع الطاقة المتجددة المستقبلية
قد يجهل كثيـــر من عامة الشعب أهمية إلغاء مشروع الدبدبـــة والاقتناع بالمسببات الظاهرية التي ذكرتها الحكومة ولكن الشركات العالمية المشاركة في المشروع وغيرهم من الشركات العالمية التي كانت تتـرقب نتائجه يعلمون بالمسببات الحقيقية كما يعلمون بالعوائق التي حدثت.
بل ان كثيرا من التقارير العالمية التي نقلتها المواقع الإخبارية المتخصصة عن هذا المشروع الحيوي الكبير في الحجم والطريق الذي سار بها الحال نحو الإلغاء، وهذا بلا شك سيؤثر سلبا على سمعة الدولة الخارجية بشكل مباشر وغير مباشر، وقد يجعل الدولة طاردة للشركات العالمية الرائدة في تنفيذ مشاريع مستقبلية ناجحة وحتى إن شاركت ستساهم هذه التجربة المريرة بقلق الذي سيؤدي بزيادة مؤثرات المبادرة والمجازفة والتي تزيد من أسعار العطاءات.
عادة ما تتميز الدول الناجحة بحرصها بوضع تشريعات واضحة ومواصفات دقيقة وكذلك جدية عالية تجعل المستثمر الخارجي والشركات الرائدة الإقدام بثقة نحو منافسة حقيقية واضحة تساهم في المنافسة لتقديم أفضل الأسعار وأرخصها.