بقلم:د.نواف العبدالجادر - دكتور ريادة أعمال في جامعة الكويت
alabdulj@
قد لا يتفاجأ القارئ أن يرى اسم «ولز فارجو» و«جي بي مورغان تشيس» في قائمة أكثر 10 بنوك مولت المشاريع الصغيرة والمتوسطة (قيمة القروض المقدمة) عن طريق برنامج القروض المقدم من «Small Business Administration» في الولايات المتحدة.
لكنه قد يستغرب وجود بنك «لايف اوك» و«بايلان» في الصدارة، ووجود بنوك غير معروفة مثل «هنتغتون ناشيونال» و«سيلتك»، و«نيوتيك» في تلك قائمة.
شهدت الولايات المتحدة في التسعينيات عدة دراسات عن دور البنوك الصغيرة والبنوك الكبيرة في تمويل المشاريع، بعد استحواذ عدة بنوك كبيرة على البنوك الصغيرة، مما أدى الى تخوف ان يتم تخفيض التمويل للمشاريع الصغيرة، حيث ان البنوك الصغيرة مصدر أساسي لتمويل المشاريع الصغيرة.
ذلك ان من الواضح، وكما أكدت الدراسات، ان البنوك الصغيرة تمول نسبة أكبر من أصولها للمشاريع الصغيرة، مقارنة بالبنوك الكبيرة. وانه كلما زاد حجم البنك، قلت نسبة التمويل (من إجمالي أصول البنك) للمشاريع الصغيرة.
وقد يكون هذا الوضع طبيعيا بحكم حجم أصول البنوك الكبيرة، لكنه أيضا يدل على أهمية المشاريع الصغيرة للبنوك الصغيرة وقلة اهتمام البنوك الكبيرة للمشاريع الصغيرة.
أي ان تركز البنوك الصغيرة على تطوير علاقاتها مع المشاريع الصغيرة، في حين تركز البنوك الكبيرة على تطوير علاقاتها مع الشركات الكبيرة.
مما يوضح ان وجود عدد قليل من البنوك، وجميعها بنوك كبيرة، يعني قلة التمويل للمشاريع الصغيرة، وان قلة التمويل ذاته، يشكل تحديا في سياسة البلد في دعم المشاريع، حيث تثبت الدراسات ان زيادة التمويل للمشاريع الصغيرة، يساهم في نمو الاقتصاد المحلي.
وأحد الفروقات بين البنوك الصغيرة والبنوك الكبيرة في تمويل المشاريع هو الاختلاف في نظام التمويل.
ذلك ان البنوك الكبيرة تركز على الشفافية والدقة في المعلومات والاعتماد على معايير رقمية لتقييم القروض.
في المقابل تعتمد البنوك الصغيرة أكثر على الجانب «الشخصي» في تقييم المشاريع، لان الشركات الصغيرة، بعكس الشركات الكبيرة، تفتقد لعدة معلومات وبيانات، مما يصعب تقييمها ويزيد من خطورة تمويلها، لاسيما المشاريع الجديدة، اي أن لدى البنوك الصغيرة استعدادا أكبر في تمويل المشاريع التي لا تملك بيانات ماليه دقيقة، وذلك لاعتمادها على معايير مختلفة.
وان الفرق الآخر بين النوعين من البنوك، هو ان بتركيزها على المشاريع الصغيرة، تعتمد البنوك الصغيرة على توظيف أصحاب خبرة في قطاع المشاريع الصغيرة، بعكس خبرة الموظفين في البنوك الكبيرة.
كما ان إدارة ومراقبة المديرين للبنوك الصغيرة أسهل من إدارة البنوك الكبيرة، مما يعني ان حاجة المعايير الصارمة تقل في البنوك الصغيرة، وان المرونة في تقييم المشاريع مسموحة، بل وأحيانا مطلوبة.
وكل ذلك يؤدي إلى تقديم البنوك الصغيرة تمويل لعملاء، قد لا يستوفون شروط التمويل الصارمة في البنوك الكبيرة.
وقد يعتقد القارئ ان بالاعتماد على معايير أدق، ذلك يعني ان اختيار المشاريع التي يتم تمويلها أفضل لدى البنوك الكبيرة، إلا ان دراسة قامت بتقييم عوائد القروض التجارية، المعدلة حسب المخاطر (risk-adjusted loan yields)، للبنوك الصغيرة والكبيرة لفترة 1996 - 2001، بينت ان البنوك الصغيرة تحقق عائدا اكبر من البنوك الكبيرة، مما يدل على ان البنوك الصغيرة تتخذ قرارات أفضل في اختيار المشاريع التي تمولها.
بل ان دراسة نشرت في عام 2015 عن دور البنوك الصغيرة في ألمانيا، بينت ان لدى البنوك الصغيرة تأثيرا كبيرا على نمو الاقتصاد، لاسيما في مناطق تعاني من قلة حصول المشاريع على تمويل من المصادر التقليدية، كما هو الحال في الكويت.
ان تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة مرتبط بمخاطر كبيرة، ولذلك، اعتماد الدولة على تمويل مباشر في المشاريع يعرض أموال الدولة لخطورة كبيرة، لاسيما في ظل فشل عدد كبير من المشاريع كما هو طبيعة حال هذا المجال.
ولذلك، من الأجدر ان تستخدم أموال الدولة لتطوير بيئة تمويلية للمشاريع الصغيرة، من خلال نهجين: أولا: من خلال السماح باتخاذ مخاطر لدى الجهات التمويلية، حيث ان تلك المخاطرة ضرورية في خدمة قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وثانيا: العمل على تنويع مصادر التمويل، وإنشاء جهات تمويلية مختصة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
فتجب دراسة تطوير نظام التمويل في الكويت من خلال توفير أساليب تمويل متنوعة مثل القروض الصغيرة، والقرض الجماعي، والرأسمال المغامر، وغيرها، فالاعتماد على نظام التمويل التقليدي لا يخدم هدف تمويل وتشجيع عدد كبير من المشاريع الصغيرة.
أما تنويع مصادر التمويل، فيساهم في مواجهة التحدي الذي نواجهه وهو انه رغم توفر الأموال، إلا ان هناك قلة تمويل.
على سبيل المثال، من الممكن دراسة ترخيص بنوك صغيرة مختصة في تمويل المشاريع الصغيرة، وقد تحصل تلك البنوك على ضمان من الصندوق الوطني، في حال فشل المشاريع.
وقد يسمح لتلك البنوك أيضا ان تقدم قروضا للمشاريع الجديدة (أقل من 3 سنوات)، بحكم ان هذا النوع من المشاريع غير قادرة على الحصول على قرض من البنوك الحالية.
كما يتطلب دراسة إعطاء مرونة أكبر للبنوك في رفع الحد الأعلى للفائدة المتعلقة في القروض المقدمة للمشاريع الصغيرة، ليتسنى للبنوك الحصول على عائد مناسب للخطورة المتعلقة في تمويل المشاريع، بالإضافة إلى ذلك، من الممكن دراسة تطبيق نظام سجل الائتمان لدى الأشخاص ولدى المشاريع، لمساعدة الجهات الممولة في تقييم خطورة المشاريع التي يتم تمويلها.
ختاما، ان بيئة التمويل في الكويت بحاجة للتطوير والسماح لبعض المرونة والمخاطرة الملائمة لقطاع ريادة الأعمال، حيث ان تطوير بيئة التمويل، يساهم في بناء قطاع جديد يوفر فرص عمل للمواطنين، بالإضافة الى تقديم خدمة أفضل للمشاريع.