تساؤل مستحق.. ما الذي تغير بعد 30 عاما من الاحتلال العراقي الغاشم للكويت، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟
تعودنا على نمطية التعامل مع هذه الذكرى، واسترجاع المعلومات المكررة، دون أي مستجدات فكرية أو استراتيجية، فقد قامت وزارة الإعلام بتوثيق المرحلة عدة مرات تلفزيونيا وإذاعيا بشكل احترافي، وأجرت الصحف لقاءات تاريخية مع الرموز داخل الكويت وخارجها، وتميز مركز البحوث والدراسات الكويتية بإصداراته الوثائقية العلمية بهذا الشأن بمختلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية والأمنية والتاريخية والاجتماعية، وآخرها «موسوعة تاريخ الغزو العراقي للكويت» إعداد د.فيصل الوزان التي حوت تفاصيل كثيرة من عدة مراجع.
وأعتقد أننا بحاجة للخروج من الصندوق، والتفكير بأسلوب استشراف المستقبل، فبعد الخروج من المراحل الحرجة «التعمير بعد التحرير»، و«الإنسان قبل البنيان»، والقفزات الاقتصادية والمعمارية والسكانية والعواصف البرلمانية التي عاشتها البلاد، وأخيرا الأزمة العالمية «كورونا»، واستنزاف للموارد المالية، لابد من النظر الجاد لمستقبل البلاد والعباد، والأجيال القادمة، وحتى لا تصدق نبوءة السفيرة الأميركية بأن الكويت ستنتهي في 2020م.
لقد لعبت الكويت بكل اقتدار بضبط السياسة الخارجية بحكمة وحيادية، وإصلاح ذات البين، وتخفيف التوترات السياسية الخليجية، وسط خبرة ديبلوماسية عريقة من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، شافاه الله، ونحن بحاجة لاستمرار هذا النهج الوسطي خصوصا مع دول الجوار، فلسنا نعيش وحدنا في العالم، فالكل يتحرك ويتطور، وينبغي مواكبة الواقع بحكمة وذكاء.
وحتى يتحقق النجاح لابد من تعاون كل المؤسسات الأمنية والاقتصادية والإعلامية والتيارات والرموز لتحقيق الأمن الخارجي، والذي سينعكس بلا شك على الأمن الداخلي، «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»، ولن يتحقق ذلك بتفرد الرأي وإقصاء الآخر، وتصنيف المواقف والناس حسب هوى المسؤول، ولن ينجح بقبول الاختراق الخارجي بأي شكل، فالكويت استوعبت الجميع منذ بدايتها، وتوحدت حول أسرة الحكم دون خلاف، وأنشأت لها دستورا توافق عليه الجميع، وقد آن الأوان لإعادة النظر في هذه الهيكلية البشرية الفكرية الإنسانية القيمية.
لقد أبلى الشعب الكويتي بلاء حسنا فترة الاحتلال العراقي الغاشم داخل الكويت وخارجها، لفت فيه أنظار العالم، والتاريخ شاهد على ذلك، ويستحق هذا الشعب أن نعمل لأجله الكثير الكثير، فمن عمل بإخلاص معروف، فلنضع ثقتنا به للمشاركة في إدارة البلاد مستقبلا، فميوله السياسية أو الفكرية شأن خاص به، ولا نجعلها وسيلة تفكك للمجتمع وضرب اسفين الوحدة الوطنية.
لا يختلف اثنان أن التيار الإسلامي هو الأبرز في العمل الشعبي داخل الكويت وخارجها، وتقديم الخدمات اللوجستية، وإدارة البلاد بكل اقتدار، مع المشاركة السياسية والجولات البرلمانية بشهادة الجميع، ومع ذلك فقد انسحب من الواجهة وسلم مقاليد الأمور للحكومة التزاما واحتراما لها، وتم استخدام تيارات أخرى لتشويه سمعته ببث الإشاعة والأكاذيب، ثم التفرقة بين القبائل والتيارات السياسية، كل ذلك لخبط الحياة السياسية الداخلية، فانشغل الناس ببعضهم البعض بدلا من ان ينشغلوا باستشراف المستقبل الذي أشعل المنطقة بأسرها، حتى لم نعد نعرف فيها الصديق من العدو «الخفي».
اتقوا الله في الكويت، ولنفكر في المستقبل بشكل اكثر جدية وواقعية، بعيدا عن المصالح الفردية أو الرؤى الشخصية وعدم التوحد بالقرار، فالكويت تجمعنا، وستجدون البدائل الإيجابية كثيرة عند محبي هذا الوطن، دون المساس بمصالح أصحاب المال والنفوذ، والله خيرٌ حافظا، وهو أرحم الراحمين.