- ردود أفعال متباينة بشأن ممارسة «الديوان» سلطته وفقاً للمادتين 13 و14 وبشأن حق الوزير المعني بالاعتراض على رأي «الديوان»
- بروز تساؤلات عن السند القانوني لممارسة ديوان المحاسبة لتقييم الأداء وحقيقة اختصاصات «الديوان» المتعلقة بالرقابة المسبقة
بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
[email protected]
قبل فترة أصدر ديوان المحاسبة تصريحا له والمنشور عبر وكالة الأنباء الكويتية من ان الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد والإجراءات الوقائية المتبعة في مختلف جهات الدولة نتج عنها ورود طلبيات شراء متشابهة من عدة جهات لاسيما تلك المتعلقة بالمواد المعقمة، وذكر الديوان وجود اختلاف في الأسعار التي تحصل عليها الجهات الحكومية لذات المعقمات وذات المواصفات لكن مع اختلاف الكمية المطلوبة، هذا وطلب الديوان من احد الجهات الحكومية بالتنسيق مع وزارة الصحة بهذا الشأن الامر الذي حقق وفرا للمال العام، حيث اكد الديوان حرصه على تحقيق الرقابة الفعالة على الأموال العامة للدولة من خلال التأكد من صحة الإجراءات المتبعة لتعاقدات الجهات الحكومية تفاديا لأي هدر مالي.
وفي سياق تصريح الديوان هذا لا يختلف احد على أهمية دور ديوان المحاسبة في المحافظة على حماية المال العام، وحيث يعتبر الديوان من اهم الأجهزة الرقابية في الدولة بشقيه المالي والإداري والذي نص عليه الدستور، فهو الجناح الرقابي للسلطة التشريعية الى جانب الجناح التشريعي، ويستهدف ديوان المحاسبة وفقا للمادة الثانية من قانون إنشائه رقم 30 لسنة 1964 وتعديلاته إلى تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة وذلك عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة له بمقتضى هذا القانون وعلى الوجه المبين فيه.
ومن جانب آخر، فقد اثارت آراء ديوان المحاسبة على بعض الارتباطات التي تقوم الجهات والمؤسسات الحكومية بعرضها على ديوان المحاسبة لأخذ موافقته المسبقة عليها وفقا لأحكام قانون انشاء الديوان (المادتين 13 و14)، انتقادات واسعة وذلك من ان الديوان يمارس اختصاصاته في هذا الشأن بنوع من التعسف - حسب تعبيرها، مما حدا بها الى اللجوء الى مجلس الوزراء في بعض الحالات لحسم الاختلاف فيما بين الديوان والجهات في هذا الشأن وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 13 من قانون انشاء الديوان، والتي تتيح للوزير المختص بعرض وجهات النظر المختلف عليها بين الديوان والجهة الحكومية على مجلس الوزراء، والذي يبت في الموضوع ويعمل بالقرار الذي يصدر عن المجلس، الأمر الذي أثار أيضا ردود أفعال من قبل الديوان وبعض أعضاء السلطة التشريعية من ان استخدام السلطة التنفيذية لهذا الحق اصبح وسيلة لتمرير العقود التي يتم الاعتراض عليها من قبل ديوان المحاسبة -حسب تعبيرها-.
علما بأنه وفقا للمذكرة الايضاحية للقانون فقد منحت المادة 33 منه رئيس ديوان المحاسبة الحق في حال كان له رأي مغاير لما انتهى الى قرار مجلس الوزراء بشأن الخلاف بالمسائل الناتجة عن الرقابة المالية بان يعرض الموضوع فورا على مجلس الأمة، او ان يكتفي بإدراج الموضوع في التقرير السنوي الذي يقدمه لمجلس الأمة.
وفي ظل وجهات النظر المتباينة حيال ممارسة ديوان المحاسبة لاختصاصاته في شأن الرقابة المسبقة، وممارسة الوزير المختص لسلطته بعرض وجهة نظر الجهة بالإضافة الى وجه نظر الديوان على مجلس الوزراء لحسم هذا الخلاف استنادا لأحكام مواد القانون المشار اليها، برز عدد من التساؤلات ومن اهما في نظري الآتي:
٭ ما السند القانوني لممارسة ديوان المحاسبة لتقييم الأداء بوجه عام وتقييم الارتباطات التي تتطلب موافقة الديوان المسبقة بوجه خاص؟
٭ ما حقيقة اختصاصات ديوان المحاسبة المتعلقة بالرقابة المسبقة؟
ولمعرفة الإجابات على مثل تلك التساؤلات يجب ان نعرف الحدود التي رسمها القانون لديوان المحاسبة لاختصاصاته في هذا الشأن، مع تأكيدنا لأهمية الدور الذي يقوم به ديوان المحاسبة في حماية الأموال العامة، الا اننا أيضا نؤكد على أهمية الالتزام بما اقره المشرع من احكام قانونية لممارسة ديوان المحاسبة لاختصاصاته والتي يجب الا يخرج عنها الديوان، فإذا ما رأت السلطة المختصة وجود ثغرات في القانون وجب عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة التي كفل لها القانون لسد مثل تلك الثغرات، ودون ممارسة أدوار لم يحددها القانون بشكل قاطع.
وبهذا الصدد لابد ان نشير الا انه في عام 2008 لجأت مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية حين ذاك الى إدارة الفتوى والتشريع لاستفتائها بشأن اعتزام ديوان المحاسبة تنفيذ برنامج تدقيق في إطار رقابته اللاحقة طبقا لقانون انشاء الديوان وذلك بهدف تقييم كفاءة الأنشطة والتأكد من فاعلية تنفيذ الخطط الموضوعة وفقا لمعايير الاقتصاد في النفقات والكفاءة والفاعلية في الأداء.
وقد أبدت إدارة الفتوى والتشريع رأيها في ضوء احكام قانون انشاء ديوان المحاسبة وعلى وجه التحديد المواد (2،5، 6،8، 9)، حيث ترى الإدارة من احكام تلك المواد ان مهمة الديوان هي الرقابة المحاسبية لإيرادات ومصروفات الجهات الخاضعة لرقابته، والتثبت من التزامها بالأصول المحاسبية السليمة المحددة بالقوانين واللوائح، والاستيثاق من كفاية الأنظمة والوسائل المتبعة لصون الأموال العامة ومنع العبث بها، وبالتالي لا يختص الديوان بمراقبة الأداء الإداري والفني لهذه الجهات، اذ ان المشرع لم ينط بالديوان سلطة تقييم كفاءة وأداء الجهات التي يراقب عليها الديوان، ومن ثم تحتفظ كل جهة باختصاصها في هذا الشأن وفقا للقوانين واللوائح الخاصة بها، ولا تخضع للديوان الا في حدود الرقابة المالية ومدى اتباعها الأصول المحاسبية السليمة في إيراداتها ومصروفاتها وكذلك مراجعة المستندات والسجلات ودفاتر الصرف، وهذا ما انتهى اليه رأي إدارة الفتوى والتشريع.
هذا، وعلى الرغم من صدور قانون انشاء ديوان المحاسبة قبل اكثر من خمسة عقود قد يستغرب البعض انه حتى تاريخه لم تصدر اللائحة التنفيذية للقانون، والتي نصت عليها المادة 88 منه بأن تصدر اللائحة بمرسوم بناء على اقتراح رئيس الديوان، ولعل في وجهة نظري ان السبب الحقيقي لعدم صدور اللائحة التنفيذية حتى الآن هو انه لن يكون لتلك اللائحة أي قيمة قانونية مضافة لقانون انشاء ديوان المحاسبة، وذلك لعدم وجود أي حكم في القانون يحيل الى اللائحة التنفيذية أي إجراءات أخرى بخلاف ما تم ذكرة بالقانون، لذلك تتم ممارسة هذا القانون منذ صدوره من دون أي عوائق تذكر في هذا الشأن.
مع التأكيد على ما هو متعارف عليه قانونا بأن اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية لتنفيذ الأحكام التي يتضمنها القانون والمحالة الى اللائحة التنفيذية يجب الا تعدل او تلغي احكام القانون او تضيف عليها والا ستكون محل شبهة عدم الدستورية، لذلك من غير الواضح ملابسات صدور قانون انشاء ديوان المحاسبة على هذا النحو، فهل نحن امام خطأ في التشريع؟ هذا ما يستلزم توضيحه من المشرعين.
وكما أشرنا سابقا فإن ديوان المحاسبة يستهدف وفقا للمادة الثانية من قانون إنشائه رقم 30 لسنة 1964 إلى تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة، وذلك عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة له بمقتضى هذا القانون وعلى الوجه المبين فيه، وهذا مفاده أن هدف ديوان المحاسبة المتعلق بالرقابة على الأموال العامة مرتبط باختصاصات الديوان التي وضحها المشرع وبشكل محدد بموجب أحكام القانون، وبالتالي يجب الا يتم الخروج عن تلك الاحكام بأي شكل كان.
وقد تناول القانون احكاما عامة وخاصة في سبيل ممارسة الديوان لاختصاصاته، فالمادة السادسة من القانون تناولت الإطار العام لمهام الديوان وهي ان يختص الديوان بالاستيثاق من كفاية الأنظمة والوسائل المتبعة لصون الأموال العامة ومنع العبث بها عند مراقبته تحصيل ايرادات الدولة ومصروفاتها الواردة بالميزانية.
وهذا الإطار العام يخول ديوان المحاسبة بتقييم مدى كفاية الأنظمة المتعلقة بحماية المال العام سواء كانت تختص بالإيرادات او المصروفات بشرط ان تكون مرتبطة بالميزانية العامة للدولة، وعلى الرغم من ان هذه المادة قد منحت الديوان حق تقييم الأنظمة المشار اليها الا انه في وجهة نظري لايزال يمثل ذلك اطارا عاما يستلزم الرجوع للأحكام الخاصة لمعرفة الجوانب التي تمنح الديوان حق تقييم الأداء فيها.
وقد جاءت الاحكام الخاصة تلك في الفقرة (ج) من المادة الثامنة من القانون والتي يختص الديوان فيها بالاستيثاق من كفايته اللوائح والانظمة الادارية لضبط أساس الضرائب والرسوم والتكاليف المختلفة ولضمان تحصيلها طبقا للقوانين، كما استلزمت المادة 15 الاستيثاق من كفاية اللوائح والأنظمة الموضوعة للمخازن والمستودعات المشار إليها وسلامة تطبيقها ولفت النظر إلى ما قد يرى فيها من أوجه النقص وذلك للعمل على تلافيه.
هذا وألزمت المادة 16 الديوان بان يبحث الديوان أسباب حوادث الاختلاس والإهمال والمخالفات المالية والوقوف على الثغرات الموجودة بأنظمة العمل والتي كانت سببا في وقوعها أو أعانت على ارتكابها أو سهلت حدوثها واقتراح وسائل علاجها.
ومنح القانون الديوان الحق في المادة 20 بفحص اللوائح الإدارية والمالية المحاسبية للاستيثاق من مدى كفايتها واقتراح وسائل تلافي أوجه النقص فيها.
كما يقوم الديوان بموجب المادة 83 بتقييم تنفيذ المشاريع الإنشائية فيما إذا كان تنفيذها قد حقق النتائج والأهداف التي اقتضت تخصيص وصرف تلك المصروفات من أجلها، وتشير المذكرة الايضاحية للقانون بأن تخويل الديوان بهذا الاختصاص يستتبع بطبيعة الحال ان يكون للديوان اتخاذ ما يراه من الوسائل التي تمكنه من مباشره ذلك الاختصاص على الوجه الاكمل.