- مصطلح «الملاحظات» الوارد بالقانـون يأتي في سياق معناها اللغوي ومدلولاتها منح الديوان سلطة تقييم الموضوعات محل رقابته
- الملاحظات التي يوردها الديوان بتقاريره غير ملزم الأخذ بها طالما لا تعد مخالفة مالية وفقاً للتفسير الوارد في المادة 52
في المقالة السابقة أشرنا الى المواد الواردة بقانون إنشاء ديوان المحاسبة التي لعلها جاء على ضوئها اختصاص الديوان بمسألة تقييم الجوانب التي حددها القانون في أحكام المواد تلك وبشكل واضح ومباشر، كما أن هناك دلالات وردت بقانون إنشاء ديوان المحاسبة من شأنها أن تندرج تلك الدلالات تحت مفهوم التقييم لكن بشكل غير مباشر.
فقد جاء ضمن القانون مصطلحان الاول يتعلق بالمخالفة والآخر يتعلق بالملاحظة، وقد عرف قانون إنشاء ديوان المحاسبة بشكل واضح ماهية المخالفة المالية. حيث حددت المادة 52 من القانون الحالات التي تعتبر مخالفة المالية وهي 8 حالات على النحو الوارد بالمادة (يمكن الرجوع للمادة لمزيد من التفصيل)، حيث قيد القانون الجزاء المرتبط بالوقوع بتلك المخالفات، حيث نصت المادة 53 من القانون على الآتي (يعاقب تأديبيا على الوجه المبين في هذا القانون كل من ارتكب من الموظفين العموميين عدا الوزراء مخالفة من المخالفات المالية المنصوص عليها في المادة السابقة أو ساهم في ارتكابها أو سهل وقوعها أو تراخى في الإبلاغ عنها أو حاول التستر على مرتكبها وذلك كله على أية صورة من الصور)، كما أوجبت المادة 54 من القانون بإحالة مرتكبي المخالفات المالية للتحقيق، وحددت المادة 60 اختصاص المحاكمة التأديبية وتشكيل هيئتها على النحو الوارد بالمادة.
أما في شأن الملاحظات فإن هذا المصطلح جاء تأسيسا على المادة 151 من الدستور، حيث نصت المادة على الآتي (ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله، ويكون ملحقا بمجلس الأمة ويعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية ويقدم الديوان لكل من الحكومة ومجلس الأمة تقريرا سنويا عن أعماله وملاحظاته)، ولم يرد أي تعريف للملاحظات بقانون إنشاء الديوان على الرغم من الإشارة لها في مواقع عديدة بالقانون وعلى وجه التحديد المواد (12،19،22،24،25،31،82).
ويتبين أن كلمة الملاحظات ليس لها أية مدلولات واضحة في القانون إلا فيما ورد بنص المادة 12 حيث كان النص كالآتي (... ويبلغ الديوان الجهة المختصة بملاحظاته فيما يتعلق بمدى مطابقة القرارات المذكورة لأوضاع الميزانية والقواعد والأحكام المالية التي تنظم موضوعها...)، وهنا نلاحظ أن المشرع قد ربط الملاحظات بمدى الالتزام بالأحكام المنظمة، وبالتالي في وجهة نظرنا وردت الملاحظة هنا بنفس اثر المخالفة المالية الوارد وصفها بالمادة 52 من القانون.
وعليه وباستثناء المادة 12 من القانون فكلمة الملاحظات الواردة بأحكام القانون برأينا أنها تأتي في سياق معناها اللغوي كالتعليق أو التنبيه أو الرأي حول موضوع ما، وبالتالي فإن مدلولات ذلك بأن منح القانون الديوان سلطة ان يبدي رأيه على الموضوعات التي أوردها بتقاريره الدورية أثناء ممارسة لاختصاصاته.
وعلى الرغم من أن القانون منح الديوان حق إبداء الرأي في المسائل التي حددها القانون من خلال الملاحظات التي يوردها بتقاريره الدورية، إلا أن في رأيي أن تلك الملاحظات غير ملزم بالأخذ بها طالما لا تعد مخالفة مالية وفقا للتفسير الوارد في المادة 52، لذلك قد يكون لمثل تلك المدلولات مدخل الديوان وتأسيسه في منهجية عمله المتبعة من قبله والمتعلقة بتقييمه لبعض الإجراءات (تقييم الأداء).
أما فيما يتعلق بالمادة 13 من قانون إنشاء ديوان المحاسبة وهي المادة التي يرتكز عليها الديوان بممارسة اختصاصاته المتعلقة بالرقابة المسبقة، فوفقا للمذكرة الإيضاحية للقانون، فقد أشارت الى أن المادة فصلت الإجراءات والأحكام التي تتبع في شأن تطبيق الرقابة المسبقة وهي على النحو التالي:
1 - تحديد نطاق الاعمال التي يسري عليها حكم المادة وهي المناقصات الخاصة بالتوريدات والأشغال العامة.
2 - تحديد نصاب تلك الاعمال وهو قيمة المناقصة الواحدة مئة ألف دينار فأكثر، وفى تحديد هذه القيمة تكون العبرة بالقيمة الإجمالية للأصناف أو الأعمال محل المناقصة، محسوبة على أساس أقل الأسعار بالعطاءات المقدمة فيها مستوفية للشروط.
3 - على الجهة صاحبة المناقصة الا ترتبط أو تتعاقد مع المتعهد أو المقاول الذي رأى إرساء العطاء عليه الا بعد الحصول على ترخيص بذلك من السلطة المختصة بالديوان طبقا لنظام العمل به.
4 - عدم جواز تجزئة المناقصة الواحدة بقصد إنقاص قيمتها إلى الحد الذي ينأى بها عن الخضوع للرقابة.
5 - على الديوان البت في الأمر في مدة أقصاها سبعة أيام من تاريخ تلقيه أوراق المناقصة وكافة ما يتصل بها من وثائق ومستندات وبيانات وإيضاحات كاملة ومستوفاة، ولا يبدأ سريان هذا الميعاد الا من تاريخ وصول ما قد يطلبه الديوان خلال السبعة الأيام المذكورة من أوراق أو بيانات أو إيضاحات يرى أنها ضرورية ولازمة لعملية الفحص والمراجعة.
6 - تشمل الرقابة التحقق من ان الاعتمادات الواردة بالميزانية تسمح بالارتباط أو التعاقد وان كل الإجراءات الواجب استيفاؤها قبل الارتباط أو التعاقد قد روعيت وفقا لأحكام والقواعد المالية المقررة في هذا الشأن.
7 - إذا لم يبت الديوان في الموضوع أو لم يخطر الجهة المختصة بالنتيجة قبل فوات الميعاد المشار إليه جاز لهذه الجهة ان تجري الارتباط أو التعاقد تحت مسؤوليتها، ولا يخل ذلك بحق الديوان في ممارسة اختصاصاته في الرقابة اللاحقة.
8 - في حالة ما إذا ابلغ الديوان الجهة المختصة اعتراضه خلال الميعاد المحدد ولم تر هذه الجهة الأخذ به فعليها إخطار الديوان بوجهة نظرها مدعمة بالأسانيد التي تقوم عليها، فإذا ظل رئيس الديوان مع هذا عند الرأي السابق إبداؤه فإنه في هذه الحالة يتعين عرض الأمر على الوزير المختص أو ممثل الجهة المختصة للنظر فيه، فإذا كان له رأي مغاير لرأي رئيس الديوان قام بعرض وجهتي النظر على مجلس الوزراء الذي يبت في الموضوع بعد الاستماع إلى رئيس الديوان ويعمل بالقرار الذي يصدر عن المجلس المذكور.
هذا ووفقا للمادة 14 فتسري أحكام المادة 13 على كل مشروع ارتباط أو اتفاق أو عقد يكون من شأن إبرامه ترتيب حقوق أو التزامات مالية للدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية العامة أو عليها، إذا بلغت قيمة الارتباط أو الاتفاق أو العقد مائة ألف دينار فأكثر، ويسري ذلك أيضا على عقود القروض المشار إليها في وفقا لما نصت عليه اللائحة الإيضاحية للقانون.
وفيما يتعلق بالأحكام الواردة في المادتين (13،14) يتبين لنا الآتي:
1 - ان المادة 13 جاءت بشكل واضح وتفصيلي بالإجراءات والأحكام التي تتبع في شأن تطبيق الرقابة المسبقة، وهذا ما أكدته للمذكرة الإيضاحية للقانون.
2 - لم يتبين بشكل قاطع ورود أي اختصاص يتعلق باتباع منهجية التقييم في دراسة المناقصات الخاصة بالتوريدات والأشغال العامة، وإنما يرتكز اختصاص الديوان في هذا الشأن فقط بالتحقق من ان الاعتمادات الواردة بالميزانية تسمح بالارتباط أو التعاقد وان كل الإجراءات الواجب استيفاؤها قبل الارتباط أو التعاقد قد روعيت وفقا لأحكام والقواعد المالية المقررة في هذا الشأن.
3 - هذا وإذا قام الديوان بإبداء أي ملاحظات على الارتباطات أو تعاقدات المناقصات الخاصة بالتوريدات والأشغال العامة، فإنه لا يوجد سند يعول عليه الديوان بإصدار الموافقة من عدمه على تلك الارتباطات استنادا على تلك الملاحظات، خاصة في حال انها لا ترقى بأن تكون ضمن إطار المخالفات الموضحة أحكامها بالمادة 52 من القانون.
4 - على الرغم من ان المادة 14 قد وسعت نطاق أحكام المادة 13 بحيث تسري على كل ارتباط أو اتفاق أو عقد يكون من شأن إبرامه ترتيب حقوق أو التزامات مالية للدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية العامة أو عليها، الا ان المذكرة الإيضاحية اعتبرت هذا النطاق ضمن مفهوم الممارسة، لكن بالرجوع الى نص المادة يتبين أن حكمها جاء على نحو مطلق طالما كان ارتباطا أو اتفاقا أو عقدا، وليس بالضرورة ان تكون ممارسة وما يدلل على ذلك بان يكون اثر هذا الارتباط أو الاتفاق أو العقد على الإيرادات وليس المصروفات (ترتيب حقوق أو التزامات مالية للدولة)، كما ليس بالضرورة بأن يكون اثرها على اعتمادات الميزانية، وما يدلل على ذلك ذكر انها ممارسة ولم يتم ذكر المناقصة.
5 - نظرا لعدم وجود أحكام تفصيلية للرقابة المسبقة للديوان على غرار الرقابة اللاحقة، فإن الممارسة الحالية لأحكام المادتين (13،14) من القانون تنحصر بقيام الديوان فقط بالرقابة المسبقة على الارتباطات والاتفاقات والعقود، في حين ان المشرع عند شرحه لمنهجية الرقابة المالية التي تنتهجها بعض الدول ما بين الرقابة المسبقة والرقابة اللاحقة في المذكرة الإيضاحية، بأن المقصود بالرقابة المسبقة هي الرقابة على المصروفات العامة، وان الكويت انتهجت الجمع بين الرقابة المسبقة واللاحقة، وقصر رقابتها المسبقة على أنواع معينة من الارتباطات والمصروفات على الوجه الذي حددته المادتين (13،14)، وعند تبرير المشرع أسباب تحديد نصاب رقابة الديوان بأن تلك المناقصات تستنفد قدرا كبيرا من اعتمادات المصروفات الواردة في الميزانية، ومن ثم وجب إخضاعها للرقابة المسبقة بما يؤمن سلامة عمليات الارتباط والصرف الخاصة بها - إلى أبعد حد - دون صرف مبالغ بالخطأ أو اكثر من المستحق فعلا قد يتعذر استردادها في كثير من الأحيان، فيما لو أن اكتشاف أمرها جاء تاليا للارتباط أو الصرف.
ويتضح من خلال المذكرة الايضاحية بان الرقابة المسبقة المنوطة بديوان المحاسبة هي على جانبين، الأجانب الأول رقابة على الارتباط بكل أنواعه (عقد، اتفاق)، والجانب الثاني الرقابة على الصرف، في حدود النصاب الموضح بالمادة، وهي ذات نوع الرقابة الذي يقوم بها جهاز المراقبين الماليين (الرقابة المالية قبل الصرف).
- يتبع -
* نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
[email protected]