- الملك فهد يرد على الرئيس بوش بشأن سؤاله عن بقاء صدام في السلطة: «قبل الأزمة نعرف أن الشعب العراقي لم يكن داعماً لصدام لكن أحداً لم يكن ليجرؤ على فتح فمه بسبب القمع الرهيب»
- بوش يؤكد لكول أن أي تعطيل لسير العمليات العسكرية حالياً سيؤدي إلى إضعافها وضياع الزخم الكبير الذي تتمتع به قوات التحالف وهذا غير جيد في هذا التوقيت بعد أن تحققت انتصارات باهرة
- بتاريخ 27 فبراير 1991 بعد إعلان تحرير الكويت يتلقى الرئيس بوش اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران يهنئه على هذا النصر الساحق في وقت قياسي وبخسائر قليلة
- بوش للرئيس غورباتشوف: صدام يقوم حالياً بتلغيم آبار البترول في الكويت ويُعرّض حياة المدنيين هناك للخطر ويمارس أقسى التعذيب ضد المواطنين كما أنه يتعامل مع الأسرى بوحشية
- في مكالمة بين الرئيسين بوش ومبارك في يوم التحرير (26 فبراير) وقبل ساعات من إعلان النصر يهنئ مبارك نظيره الأميركي بوش بما تم تحقيقه من نتائج مبهرة وبأقل قدر من الخسائر
- الرئيس بوش في اتصال مع الرئيس الفرنسي يصف صدام بأنه همجي ومجرم وكاذب وأنه لم يكن يثق به أبداً ولم يكن ليسمح بتوقف العمليات في منتصف الطريق قبل إتمام المهمة كاملة
ترجمة وإعداد: محمد هلال الخالدي
تكشف لنا وثائق البيت الأبيض التي تم رفع السرية عنها، وحصلت «الأنباء» على نسخة منها، المزيد من الحقائق والتفاصيل حول الأيام الأخيرة قبل انتهاء حرب تحرير الكويت بعمليات «عاصفة الصحراء»، وكذلك بعد انتهاء الحرب وإعلان تحرير الكويت بهزيمة ساحقة للنظام العراقي البائد، ويظهر لنا بوضوح اصرار الرئيس بوش والملك فهد والرئيس مبارك والرئيس أوزال وغيرهم على عدم السماح لصدام باستغلال أي فرصة للنجاة من هذه الجريمة الفادحة وتحقيق أي نصر وهمي يكذب فيه على العراقيين.
في اتصال هاتفي بين الرئيس بوش والرئيس مبارك يوم 20 فبراير 1991، أي قبل التحرير بستة أيام، يتحدث الرئيسان عن محاولات الرئيس السوڤييتي ميخائيل غورباتشوف المستمرة لوقف العمليات العسكرية والتفاوض مع صدام الذي قال أنه على استعداد للانسحاب من الكويت، إلا أن الرئيس بوش كان حازما في ذلك ورفض بشدة بسبب مماطلة النظام العراقي من خلال وضع شروط مراوغة لهذا الانسحاب المزعوم بعد أن تلقى ضربات موجعة وخسائر فادحة في صفوف قواته التي لم تقاتل كما يقاتل الرجال، وهرب كثير منهم ورفعوا الرايات البيضاء بالآلاف وبكل انكسار يعبر عن بؤسهم من حماقات رئيسهم ومغامراته التي أوصلت بلادهم إلى هذا الوضع المزري، فكان غورباتشوف يعرض على بوش مبادرة جديدة كل مرة بعد لقائه بوزير خارجية العراق آنذاك طارق عزيز، إلا أن بوش كما تظهر الوثائق من خلال حديثه مع مبارك وهيلموت كول وغيرهم، كان يقول له بحزم انه ومعه جميع الحلفاء لا يمكن أن يقبلوا بأن يضع صدام شروطا للانسحاب تتمثل بأن يتم ذلك خلال 6 أسابيع، وكان الرئيس مبارك يقول للرئيس بوش أن أي وقف للعمليات العسكرية في هذا الوقت سيشكل خطورة على قواتنا على الأرض، وكان بوش معجبا جدا بكلام الرئيس مبارك ويقول له انك تعرف أفضل كونك ضابطا مخضرما.
اتفاق الحلفاء
وفي وثيقة أخرى بتاريخ 23 فبراير 1991، أي قبل 3 أيام من التحرير، يظهر لنا من نص مكالمة بين الرئيس بوش ومستشار ألمانيا الغربية هيلموت كول اتفاقهما على رفض المحاولات المكشوفة التي كان النظام العراقي يحاول من خلالها الحصول على فسحة من الوقت لينظم صفوفه، ويؤكدان على حسن نوايا الرئيس غورباتشوف وتحركاته الكبيرة من أجل وقف الحرب، وكان بوش يقول لكول انه يقدر جهود الرئيس غورباتشوف، ولكن المبادرة التي قدمها مؤخرا فيها الكثير من الشروط غير الواقعية، والتي ستؤدي إلى خروج صدام بانتصار وهمي على حساب قوات التحالف، وهو ما لا يقبله أحد في التحالف.
يقول بوش حرفيا «اعتقد ان غورباتشوف صادقا في مسعاه، إنه يحاول وقف الحرب ولعب دور بناء»، ويتفق معه كول في ذلك، إلا أن بوش يؤكد لكول أن أي تعطيل لسير العمليات العسكرية حاليا سيؤدي إلى اضعافها وضياع الزخم الكبير الذي تتمتع به قوات التحالف، وهذا غير جيد في هذا التوقيت الذي استطاعت أن تحقق انتصارات باهرة وباتت على مشارف الانتصار الكبير.
وفي اتصال آخر تكشف لنا الوثائق اصرار غورباتشوف حتى اللحظات الأخيرة على إيجاد فرصة لوقف الحرب تتوافق مع قرارات الشرعية الدولية وتضمن تحرير الكويت وعودة الشرعية لحكومتها.
أكاذيب صدام
في يوم 23 فبراير 1991، يتصل غورباتشوف بالرئيس بوش ويبلغه بوجود تطورات جديدة عرضها طارق عزيز، فيها تأكيد على استعداد العراق الانسحاب خلال أيام وليس أسابيع كما كان يقول قبل بضعة أيام، إلا أن الرئيس بوش يرد عليه أنه لا يثق بصدام ولا بنظامه، ويقول له بوضوح «اسمع ميخائيل، في الوقت الذي تتحدث فيه عن هزيمة صدام وتحقق أهداف التحالف وقرارات الأمم المتحدة، صدام يقوم حاليا بتلغيم آبار البترول في الكويت، ويعرض حياة المدنيين هناك للخطر، ويمارس أقسى التعذيب ضد المواطنين، كما أنه يتعامل مع الأسرى بوحشية، بينما الأسرى العراقيون بالآلاف في السعودية يحظون بمعاملة رائعة عند الملك فهد، هذا الرجل يكذب ويعمل على سياسة الأرض المحروقة، ولا يمكن لنا أن نتوقف الآن أو نعطل تقدم العمليات العسكرية، لقد تلقيت للتو تقارير جيدة من الجنرال شوارسكوف».
وفي مكالمة أخرى بين الرئيس بوش والرئيس المصري مبارك في يوم التحرير 26 فبراير، وقبل ساعات من إعلان النصر، يهنئ مبارك نظيره الأميركي بوش بما تم تحقيقه من نتائج مبهرة، وبأقل قدر من الخسائر، والرئيس بوش يبدي سعادته ويشكر مبارك على الدور الكبير لقواته على الأرض، ويؤكد له أن الخسائر جاءت أقل بكثير مما كان متوقعا، والحرب تمت بأسرع مما كان متوقعا أيضا. ويبدو من المكالمة أن الأمور لم تكن محسومة بعد، فنجد الرئيس مبارك يقول لبوش، لننتظر يومين أو ثلاثة وسينتهي كل شيء حسب المعلومات التي لدي. إلا أن ما حدث بعد ذلك من انهيار تام للقوات العراقية أكد أن صدام أضعف بكثير من الصمود أكثر.
تهنئة بالنصر
في مكالمة أخرى بتاريخ 27 فبراير 1991، بعد إعلان تحرير الكويت وطرد المحتل الغازي من جميع الأراضي الكويتية، يتلقى الرئيس بوش اتصالا هاتفيا من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، يهنئه على هذا النصر الساحق في وقت قياسي وبخسائر قليلة.
ويتحدث الرئيسان عن الوضع في الكويت بعد قيام المجرم صدام بحرق آبار البترول الكويتية، وتحويل سمائها إلى غيمة ضخمة من الدخان، ويصف الرئيس بوش صدام بأنه همجي ومجرم وكاذب، وأنه لم يكن يثق به أبدا ولم يكن ليسمح بتوقف العمليات في منتصف الطريق قبل اتمام المهمة كاملة، ولم يكن ليعرض حياة آلاف الجنود المشاركين في قوات التحالف للخطر.
وفي اتصال آخر بتاريخ 28 فبراير 1991، يتحدث الرئيس بوش مع الملك فهد بن عبدالعزيز ويتبادلان التهاني بالنصر الكبير، ويناقشان ما الذي ينبغي فعله بعد توقف العمليات العسكرية. نجد الرئيس بوش يسأل الملك فهد: ما رأيك في فرص بقاء صدام في السلطة أو طرده من قبل العراقيين؟ فيرد عليه الملك فهد «قبل الأزمة نعرف أن الشعب العراقي لم يكن داعما لصدام، لكن أحدا لم يكن ليجرؤ على فتح فمه بسبب القمع الرهيب. لكن الآن، لدينا قصة مختلفة وواقع مختلف. هذا ربما يقود لشيء ما».
ويقول بوش: إذا كان هناك أي شيء يمكن للولايات المتحدة فعله فأنا سأكون مسرورا بأن أسمع منك، نحن لسنا ضد الشعب العراقي، ولكنني لا أرى أي تقدم يمكن أن يحدث في علاقاتنا مع العراق بوجود صدام في السلطة.
وفد الكويت
كما تكشف لنا الوثائق أيضا الحديث الذي دار في اجتماع الرئيس بوش مع الوفد الكويتي برئاسة سفير الكويت في واشنطن آنذاك، بطل من أبطال التحرير الشيخ سعود الناصر الصباح والوفد المرافق له بحضور عدد من مستشاري بوش. وذلك بعد يومين من إعلان تحرير الكويت، في 28 فبراير 1991 تحديدا في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
يبدأ الاجتماع بتعليق من الرئيس بوش، يتحدث فيه عن تحرير دولة الكويت وعودة النظام الشرعي إلى الحكم، ويقرأ عليهم ملخصا من تقرير الجنرال بوومر بعد دخوله لمدينة الكويت. بعد ذلك يتحدث الشيخ سعود الناصر الصباح ويشكر الرئيس بوش والشعب الأميركي باسم القيادة الكويتية والشعب الكويتي، ويقول: بعد سبعة أشهر مرهقة ومليئة بالمعاناة، يسعدني أن أنقل تحيات صاحب السمو الأمير لكم. ويرد عليه بوش أنه يريد الاتصال بسمو الأمير الشيخ جابر ولكنه يعلم أنه مشغول جدا في هذه الأوقات، ويعتقد أنه بحاجة لبعض الوقت لإعادة ترتيب الأمور هناك بعد كل ما جرى. ويطلب من الشيخ سعود نقل تحياته لسمو الأمير وأنه فخور بما تم انجازه في هذه اللحظة التاريخية، وأن يعبر له عن سعادة الشعب الأميركي باستعادة الشرعية وتحرير الكويت، ويقول: ان المشاهد التي عرضها التلفزيون كانت مؤثرة جدا، ويؤكد له أن الولايات المتحدة مستمرة بالتفاهمات العسكرية مع الكويت، وسيطلعه على التفاصيل التي ستأتي تباعا. ويوضح الشيخ سعود للرئيس بوش جهود الحكومة الكويتية حاليا في إحصاء عدد المواطنين الكويتيين من خلال الهوية الشخصية، وذلك لمعرفة من الذي فقد أو تم أسره أو قتل في هذا الاحتلال الرهيب، ويتساءل بوش: كيف سيمكنكم ذلك من خلال بطاقة الهوية، فكما سمعت ان النظام العراقي استولى على كل شيء وقام بتزوير الكثير من هذه الوثائق، ما يجعل هذا الأمر صعبا. إلا أن الشيخ سعود الناصر يوضح له بكل ديبلوماسية وذكاء ويقول: نحن نعرف الجميع، نحن مجتمع صغير ونستطيع تمييز الوثائق المزيفة، واستطعنا نقل جميع السجلات وهذا موثق مع الأمم المتحدة. ثم يتساءل الرئيس بوش عن الوضع الأمني في الكويت، ويشرح له الشيخ سعود بعض التفاصيل المتوافرة حتى الآن، ويبلغه بعمليات تمشيط مبنى السفارة الأميركية في الكويت والجهود الكبيرة التي تبذل لتهيئتها وتأمينها، ويحدثه عن خطط عودة المواطنين الكويتيين المتواجدين في الخارج، مؤكدا له أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت.
تخريب ونهب وتعذيب
ثم يدور بينهما حديث حول عمليات التخريب والنهب والتعذيب وخطف المواطنين الكويتيين من قبل الجنود العراقين، خاصة في الأسبوعين الأخيرين قبل التحرير كما يؤكد الشيخ سعود، ويتساءل بوش عن مصير هؤلاء الناس، ويوضح الناصر أن المعلومات شحيحة حول ذلك، ويؤكد للرئيس أنه ينوي دعوة عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي وتنظيم زيارة لهم للكويت، ليشاهدوا حجم الدمار الذي خلفه هذا الاحتلال الهمجي، ربما في الأسبوعين القادمين، ثم يطمئن الرئيس بوش الشيخ سعود بتأكيده أن قواته لن تتخلى عن الكويت وترحل قبل ضمان استقرار البلاد. وينصح بوش بأن تتم دعوة وفود دولية أخرى لتوثيق الواقع على الأرض. بعد ذلك يتساءل بوش حول قيام صدام بنهب ثروات الكويت الثمينة، ويقول إن التقارير التي وصلت إليه تتحدث عن نقل صناديق ضخمة تضم أشياء ثمينة جدا إلى صدام. ويؤكد الشيخ سعود أن جزءا من تلك الثروة تم توزيعها من قبل صدام على بعض قادة الدول التي ساندته وحاولت تبرير جريمته، إلا أن ذلك لن يمر وأن هناك جهودا مع الأمم المتحدة.
وأخيرا يسأل الرئيس بوش عن موعد عودة صاحب السمو الشيخ جابر إلى الكويت، ويرد الشيخ سعود بأن ولي العهد ورئيس الوزراء سيعود الأحد، لمتابعة الأوضاع وتقدير موعد عودة سمو الأمير.
وبهذا تطوى صفحة قاسية من تاريخ الكويت، عانت فيها الكثير، بسبب حماقات ديكتاتور، فتح بتلك الجريمة الرهيبة أبواب الدمار على العالم العربي كله، ستبقى آثارها المدمرة باقية لفترة طويلة.. كما أثبتت الأيام.