- حجم مديونية العلاج بالخارج جاء نتيجة ارتباطات مالية خارج النظام المالي للدولة والذي فاق الاعتمادات المرصودة لها بالموازنة
- آن الأوان لإعادة النظر في النظام المحاسبي للدولة والانتقال الحقيقي إلى نظام على أساس الاستحقاق لتعزيز القدرة على توفير سجلات محاسبية أكثر دقة
بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
[email protected]
كتب محرر الشؤون الصحية والطبية في صحيفة واشنطن بوست أن الحكومة الكويتية مدينة ماليا لبعض المستشفيات الكبرى في الولايات المتحدة بحوالي مبلغ وقدره 700 مليون دولار - حسب زعمها - وذلك عن فواتير غير مسددة عن الرعاية الطبية للمرضى الكويتيين الموفدين للعلاج هناك.
ونظرا لتراكم تلك المطالبات ونتيجة للأضرار المالية التي لحقت بالمستشفيات بسبب جائحة فيروس كورونا والتي أثرت على استدامة تلك المستشفيات، لجأت تلك المستشفيات الى طلب مساعدة الحكومة الأميركية لحل تلك المعضلة التي تواجهها مع المؤسسات المعنية بالدولة.
ولعل إثارة تلك المسالة ليست هي الأولى من نوعها، فقد سبق أن أثارت الصحف المحلية ذات المشكلة في مايو 2018 من خلال مطالبة شركة (أتنا) الأميركية والتي بلغت ما يزيد على 235 مليون دولار تقريبا، حيث تعاقدت معها وزارة الصحة لتحصيل فواتير المواطنين الذين يتم علاجهم بمستشفيات الولايات المتحدة الأميركية عن طريق المكتب الصحي في واشنطن، الأمر الذي على إثره أصدر مجلس الوزراء قراره رقم 1131 لسنة 2018 والقاضي بتكليف وزارة الصحة بإدراج مبلغ 120 مليون دينار خاصة بمطالبات شركة (أتنا) والمكتبين الصحيين في فرانكفورت ولندن ضمن مشروع ميزانيتها للسنة المالية 2018/2019.
وبكل تأكيد سيرتفع حجم مبالغ المطالبات تلك التي أشارت لها الصحيفة الأميركية إذا ما اخذنا بعين الاعتبار مستحقات المراكز الطبية في الدول الأخرى كالمملكة المتحدة وألمانيا وغيرها من الدول، الأمر الذي ستكون له تبعات مالية وقانونية وسياسية.
فمن الجانب المالي فإن استمرار تطبيق النظام المحاسبي النقدي المعدل من قبل الإدارة المالية العامة للدولة حتى الآن، على الرغم من تبني ذات الإدارة للنظام المحاسبي على أساس الاستحقاق من السنة المالية 2004/2005، إلا ان التطبيق العملي بعد عقد من الزمن جاء مخيبا للآمال، وان الإعلان عن التطبيق الفعلي لنظم إدارة مالية الحكومة (GFMIS) ابتداء من الاول أبريل 2016 باستخدام تطبيقات (Oracle) جاء بعيدا عن المستهدفات الأساسية، والتي ترتكز بشكل محوري على التحول من النظام المحاسبي النقدي المعدل الى النظام المحاسبي على أساس الاستحقاق، والذي يهدف الى تعزيز القدرة على توفير سجلات محاسبية أكثر دقة وتكاملا وفقا لأعلى معايير الكفاءة.
فبات من المؤكد انه في ظل عودة أزمة ملف العلاج بالخارج إلى الواجهة مجددا على النحو الذي أثارته صحيفة واشنطن بوست، فإن الحساب الختامي للدولة لا يعبر تعبيرا صادقا عن المصروفات نتيجة لعدم إثبات مثل تلك المديونيات التي تكون خارج النظام المالي بسبب عيوب النظام المحاسبي المطبق حاليا (النقدي المعدل)، الأمر الذي لا يعكس حقيقة العجز المعلن عنه في موازنة الدولة لا في السنوات الماضية ولا الجارية، وقد يمتد أثرها الى السنوات المالية القادمة في حال عدم معالجة الأمر بالطريقة السليمة، كما ان موازنة الدولة التي قدمت مؤخرا من المؤكد انها لا تعكس حقيقة التزامات الدولة الواجبة السداد، لذا فإننا أمام إشكالية في مدى مصداقية البيانات المالية للدولة والتي اكد عليها ديوان المحاسبة بشكل أو بآخر في تقريره المنشور عن السنة المالية 2016/2017.
ومن الجانب القانوني لتلك المسألة تمثل في ان حجم مديونية العلاج بالخارج جاء نتيجة لارتباطات مالية خارج النظام المالي للدولة، والذي فاق الاعتمادات المالية المرصودة بالموازنة العامة لهذا الغرض، مما يشكل تجاوزا صريحا لأحكام الدستور في هذا الشأن.
أما فيما يتعلق بالجانب السياسي، فخارجيا تمثل في تناول ملف أزمة مديونية العلاج بالخارج في أروقة وزارة الخارجية الأميركية والكونغرس الأميركي على النحو الذي أشارت لها صحيفة واشنطن بوست، كوسيلة اضطرت المراكز الصحية بأنواعها لاستخدامها للخروج من المأزق المالي الذي تواجهها بسبب تبعات جائحة فيروس كورونا، فأصبح هناك تداخل فيما بين المسائل المالية والسياسية لتلك الأزمة، وداخليا فمديونية العلاج بالخارج أيضا ستكون لها انعكاسات داخل أروقة مجلس الأمة، وهذا ما ستبينه الأيام القادمة.
ختاما.. فالوصفة المتعلقة بمعالجة هذه المسألة سبق ان تناولتها في مقالة سابقة بعنوان «تضخم حساب العهد أبعاد المشكلة وسبل حلها»، هذا ويجب أن نؤكد انه آن الأوان لإعادة النظر في النظام المحاسبي للدولة والانتقال الحقيقي الى النظام المحاسبي على أساس الاستحقاق لتعزيز القدرة على توفير سجلات محاسبية أكثر دقة، وتقييم أداء الأجهزة الحكومية بشكل أفضل من ناحية كلفة الخدمات التي تقدمها وفاعليتها وإنجازاتها والتدفقات النقدية، وتوفير رؤية واضحة للبيانات المالية على المديين المتوسط والبعيد.