كان النهار على وشك أن ينتهي، وتستعد الشمس لتستلقي على مهد الغروب، والطيور تهبط من السماء على الأشجار للبيات في أعشاشها وهي تغرد بأصوات حانية جميلة أطربت مسامعي وأثارت في نفسي بهجة وسكونا، شعرت بأن الكون من حولي يستعد لاستقبال الليل، نظرت أتأمل الأفق البعيد وإذا بسرب من جمال الصحراء تجتذب ناظري من السماء إليها، حينما رأيتها دبت في نفسي بهجة عارمة هزت الكيان فاندفعت مهرولة خارج المخيم وأنا أصيح بالنداء هلموا يا أصدقاء، هيا أيها الأطفال تعالوا لتشاركوني تلك اللحظة الرائعة، وصلت الجمال إلينا تتقدمها أنثى تحمل جنينا في بطنها تقربت مني حد الالتصاق.
لن أخفي أنه انتابني خوف منها، فهذه أول مرة أتقرب من جمل ويتقرب مني إلى هذا الحد، لكنها حينما طأطأت رأسها للأسفل تحت مستوى كتفي اطمأننت، فرفعت يدي ووضعتها على رأسها ووجهها البريء، وإذ فجأة تضع رأسها على كتفي الأيمن، أخذنا لقطات فوتوغرافية معها وقمنا بإطعامها ثم ذهبت لدخول المخيم وإذ بها تتبعني إلى الداخل فهرولت في خطاي خوفا، وفجأة بركت مكانها، وكأنها تقول لي لا أرغب في مغادرة المكان! عدت إليها وأخذت أمسح عليها وأداعبها وتداعبني لبعض الوقت، وحينما رأينا باقي السرب يلحقها داخل المخيم ليأخذوا نصيبهم من الحنان والطعام والأنس بنا، قام الأصدقاء بإخراجها، لم يتوقف عقلي عن التفكر فيما حدث والبحث عن العبرة في ذلك الحدث الجميل النادر.
سمعت نفسي تحدثني قائلة سبحان الله كيف لحيوان نشأ وترعرع في تلك الصحراء المقفرة القاسية أن يكون بتلك اللطافة والرقة والمشاعر الفياضة!
وهناك بعض البشر يفتقرون لتلك الصفات ومجردة قلوبهم ودواخلهم من الإنسانية والرحمة حتى وإن كانوا نشأوا في بيوت طيبة ذكية غمرتهم بالحب والود والرحمة.
فسبحان الخالق البديع، مسير الكون في توازن، وخالق الجمال في كل مكان حتى في الصحراء المقفرة زينها الخالق بأشجار ونخيل وهواء نقي وحيوان ضخم رقيق! يأكل العشب يخرج منه لبنا وخروجا فيه شفاء للناس!
[email protected]