كثير من الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية مفيد ويضيف لمتابعة المعلومة أو يمكنه من متابعة آخر الأخبار وآخر المستجدات على الساحتين المحلية والعالمية، وتتميز بالمهنية والمصداقية والحرص على الذوق العام، لكننا نجد في المقابل للأسف بعض الحسابات - وبعضها مرخص من وزارة الإعلام - التي لا أعرف كيف أصنفها ولا تحت أي مجال أضعها، همها البحث عن الإثارة وزيادة عدد المتابعين وكثرة التعليقات بغض النظر عن أي اعتبارات أخلاقية أو سلوكية أو قيمية، تنشر الأخبار غير المؤكدة، وتقوم بعمل مقابلات مع بعض النماذج الشاذة في المجتمع، خاصة من فئة الشباب التي ربما تقوم بأفعال أو تتحدث بكلمات أو تظهر سلوكيات بسبب الاندفاع والتهور الذي يصيب هذه الفئة العمرية، ما يصور هذه النماذج على أنها ظاهرة في المجتمع، وقد يجعلها على الطرف الآخر مدعاة للسخرية والتندر والتنمر في بعض التعليقات غير المبالية.
لهذه المواد التي تقوم بنشرها هذه الحسابات آثار مدمرة، فهي تسهم في هدم القيم التي تسعى الأسر الى أن تغرسها في نفوس أبنائها، وفيها إغراء للشباب لتقليد ما يرونه وربما يعتقدون أنه مميز، ويتشكل في نفوسهم إعجاب وافتتان بهذه الشخصيات وربما جعلوها قدوة لهم وحاولوا تقليدها، كما تُشعر المتابع لها بألفة هذه المناظر وقبول الخطأ أو على الأقل عدم إنكاره بحجة انتشاره، وهي حجة ساهمت هذه الحسابات في رواجها من خلال إيهام المتابع بأن تلك النماذج منتشرة وهو غير صحيح قطعا، ومن حيث لا يعلم - أو يعلم - القائمون عليها فإنهم يساهمون في نشر صورة سلبية عن المجتمع الكويتي المحافظ ويشوهون النموذج الرائج الذي تربى عليه أغلب أبناء المجتمع.
إن مسؤولية مواجهة مثل هذه الظاهرة لا تقع على جهة دون أخرى ولا يعفى منها أحد في المجتمع، فهي مسؤولية مشتركة، فردية ومجتمعية، فلا بد أن تقوم الأسرة بدورها من خلال متابعة ما يشاهده أبناؤها، والحرص على توعيتهم وبذل النصح لهم بالحسنى، وتبيان انحراف هذه السلوكيات وأثرها على مستقبل الإنسان، كما يتحتم على وزارة الإعلام ممارسة الرقابة الأخلاقية القيمية التي هي أهم أنواع الرقابة، وتطبيق القوانين على المخالف وعدم التهاون أو التساهل في مواجهة ما قد يهدم قيمة هذا المجتمع ويسلخه عن مبادئه، ويقع على أصحاب هذه الحسابات مسؤولية جسيمة أن يجعلوا من ذواتهم وضمائرهم الرقيب الأول عليهم، وعدم الاستهانة بنشر مقاطع قد تبدو مضحكة أو مثيرة دون الأخذ بالحسبان تأثيرها السلبي على الشرائح مختلفة الأعمار التي تتابعها، وتكريس رسالة الإعلام الحقيقية النبيلة التي تسهم في صنع الإنسان.
لا أدعو إلى تقييد الحريات، بل أنا من الدعاة لزيادة هامشها، لكن ما نسعى له هي تلك الحرية المسؤولة التي تبني ولا تهدم، تنفع ولا تضر، تطور ولا تؤخر، إن أردنا أن نبني مجتمعا سليما أخلاقيا وسلوكيا وثقافيا واجتماعيا، فليقم كل منا بدوره، ويسهم في نبذ مثل هذه الظواهر، وحتى لا نندم حين لا ينفع الندم أقول لكم: «لا تتركوا الحبل على الغارب».
[email protected]