بقلم: بدر مشاري الحماد.. نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
قام تلفزيون الكويت ببرنامجه «ماذا بعد؟» بتسليط الضوء على قضية مكافحة الفساد، من خلال الأدوار التي تقوم بها أجهزة الرقابة المالية، حيث استضاف البرنامج مسؤولي كل من ديوان المحاسبة وإدارة الفتوى والتشريع وجهاز المراقبين الماليين وجهاز المناقصات العامة، باعتبارها ركائز الأجهزة الرقابية.
وقد استطلع البرنامج آراء عدد من الوزراء والمسؤولين السابقين في هذه المسألة وكذلك آراء الرأي العام، حيث تشرفت بأن أكون أحد ضيوف هذا البرنامج، كما تشرفت بأن تتضمن فقرات البرنامج بعض المواد الارشيفية التي نشرت لي في صحيفة «الأنباء».
ويأتي هذا البرنامج في سياق الجهود التي تبذلها الدولة في مكافحة الفساد بكل صوره ومن خلال الاجهزة الرقابية المختلفة، هذا الفساد الذي أرهق ميزانية الدولة وسمعتها داخليا وخارجيا.
وحيث ان مثل هذا الموضوع يسلط الضوء على مسألة في غاية الأهمية ليس على مستوى الأجهزة الحكومية وإنما على مستوى الرأي العام، فبرأيي كان الأفضل أن يتم الرد على كل التساؤلات التي ممكن أن ترد في ذهن المواطن، وهي:
ماهية الجهات الرقابية التي تعنى بالرقابة على تنفيذ الميزانية وحماية المال العام؟ ودورها؟ ومدى فعاليتها؟
أولا - الأجهزة الرقابية:
1 - السلطة التشريعية: ممثلة بمجلس الأمة والذي يعنى بالتشريع والرقابة، ومن الرقابة التي يقوم بها هي الرقابة على الأداء المالي للحكومة من خلال لجنة الميزانيات والحساب الختامي، واللجنة تقوم بالرقابة المسبقة من خلال دراسة الميزانية العامة والتوصية بشأنها، والرقابة اللاحقة من خلال دراسة الحسابات الختامية للدولة وإصدار التوصيات بشأنها.
2 - ديوان المحاسبة: وهو جهاز ملحق بمجلس الأمة ويعنى بالرقابة المالية والإدارية والرقابة على الأداء، ويقوم بنوعين من الرقابة، مسبقة بالنسبة للعقود والارتباطات في حدود نصاب محدد، ولاحقة بالنسبة للإيرادات والمصروفات.
3 - مجلس الوزراء: بما أن مجلس الوزراء هو المهيمن على أعمال السلطة التنفيذية، فيقوم المجلس بالرقابة على أداء الاجهزة الحكومية، ويساعده في هذا جهاز متابعة الأداء الحكومي بالتنسيق مع لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الوزراء، ورقابة الجهاز أثناء تنفيذ الميزانية بالنسبة للمشاريع التنموية، ولاحقة من خلال متابعة تقارير الأجهزة الرقابية.
4 - وزارة المالية: وهي من أهم الاجهزة الرقابية بالسلطة التنفيذية، وتعنى بالرقابة المسبقة واللاحقة وكذلك أثناء تنفيذ الميزانية، وذلك في النشاطات المعنية بها الوزارة كالميزانيات العامة للدولة والمناقلات الخاصة بها، والمزايدات ونظم الشراء في نصاب محدد، وكذلك الحسابات الختامية للدولة.
5 - جهاز المراقبين الماليين: والجهاز يعنى بالرقابة المالية على التصرفات المالية التي تتم بالجهات والمؤسسات الحكومية، وهو يقوم بنوع واحد من الرقابة وهي الرقابة المسبقة.
6 - جهاز المناقصات المركزية: ويعنى بطرح المناقصات العامة في حدود نصاب محدد لتوفير المستلزمات والخدمات للجهات والمؤسسات الحكومية.
7 - ديوان الخدمة المدنية: ويعنى الديوان بالرقابة على شؤون التوظف، ويقوم بالرقابة اللاحقة وكذلك السابقة في حدود ضيقة.
8 - إدارة الفتوى والتشريع: وتعنى الادارة بالرقابة ذات الشق القانوني، خاصة المسبقة على الارتباطات والعقود في حدود نصاب محدد.
9 - هيئة مكافحة الفساد: وتعنى بإرساء مبدأ الشفافية والنزاهة في المعاملات الاقتصادية والادارية بما يكفل تحقيق الادارة الرشيدة لأموال وموارد وممتلكات الدولة والاستخدام الأمثل لها.
10 - وحدة التحريات المالية الكويتية: تعنى الوحدة الموضوعات المتعلقة بجرائم غسيل الأموال بما في ذلك الاموال العامة.
ثانيا - فاعلية الأجهزة الرقابية:
تتحقق فعالية الأجهزة الرقابية بتوافر ثلاثة ركائز أساسية:
الركيزة الأولى: بوجود إرادة حقيقية للإصلاح وهي الإرادة السياسية، وقد تلمسنا ذلك بالقرارات التي اتخذت بشأن بعض قضايا الفساد في الآونة الأخيرة، واستذكر في هذا السياق عندما تشرفت بلقاء سمو أمير البلاد، حفظه الله وشفاه، بتأكيده على تطبيق القانون وكانت توجيهاته الحرفية بأن (طبقوا القانون على الجميع وما عليكم من أي كان)، وجاء ذات التأكيد من سمو ولي العهد، حفظه الله وأعانه، وبالتالي بعد تلك التوجيهات السامية فلا تعلو عليها أي توجيهات مخالفة لها.
الركيزة الثانية: بحسن اختيار القائمين على الأجهزة الرقابية، وأن يكون الاختيار وفقا لمعايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق، وألا يكون على أساس المحسوبية والولاءات، والا لن تتحقق الاستقلالية للأجهزة الرقابية، ولعل من المناسب أن أستذكر أيضا هنا تصريح المرحوم بإذن الله براك المرزوق رئيس ديوان المحاسبة الأسبق عندما وصف مهام الديوان بأنها من أخطر المهام، ولن يعلم خطورة مهام الديوان إلا من يتولى رئاسته، ويتطلب في رئيس الديوان بأن يتمتع بمواصفات تؤهله لأن يكون مستقلا بشكل كامل.
الركيزة الثالثة: متابعة أداء الأجهزة الرقابية من خلال التقارير التي تعدها، ومتابعة توصياتها واستخدامها كأداء للمسؤولية والمساءلة للجهات والمؤسسات الحكومية، ويسري ذلك على مساءلة الأجهزة الرقابية في حال تقاعسها في القيام بمهامها.
وبدون تلك الركائز ستكون الأجهزة الرقابية مجرد أجهزة على ورق.
كيف تتم محاسبة ومساءلة المؤسسات من قبل الجهات الرقابية؟
٭ ان التشريعات المنظمة لعمل الأجهزة الرقابية هي التي تحدد آلية المحاسبة والمساءلة، فعلى مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية يكون ذلك من خلال التقارير الدورية التي تعدها تلك الأجهزة والتي تناقش بشكل دوري.
ففي مجلس الامة تكون المساءلة من خلال عدد من القنوات، فمناقشات لجنة الميزانيات والحساب الختامي مع مسؤولي الجهات والمؤسسات الحكومية وبحضور الجهات الرقابية قد يسفر عنها عدد من التوصيات، والتي تصل في بعض الأحيان الى تشكيل لجان تحقيق او طلب الإحالة الى النيابة العامة، وفي أحيان أخرى تستخدم تقارير الجهات الرقابية من قبل النواب في اسئلتهم البرلمانية ومادة لاستجواباتهم.
أما على مستوى مجلس الوزراء، فتكون المساءلة من خلال التوصيات التي تصدرها اللجان المختصة بمجلس الوزراء، كما ان لدى المجلس العديد من الأدوات للمساءلة من خلال القرارات التي يصدرها المجلس في هذا الشأن.
كما أن هناك خصوصية لبعض الجهات الرقابية التي تمكن التشريعات الخاصة بها من المحاسبة والمساءلة، فلدى ديوان المحاسبة محاكمات تأديبية تختص بتوقيع الجزاءات على مرتكبي المخالفات المالية المنصوص عليها بالقانون، وجهاز المراقبين الماليين يسمح له قانون انشائه بالطلب من الجهة الحكومية باتخاذ الإجراءات القانونية في بعض الملاحظات والمخالفات الجسيمة التي يرصدها، وهيئة مكافحة الفساد تملك إحالة البلاغات الى جهات التحقيق، اما وحدة التحريات المالية الكويتية فتملك التحقيق والإحالة الى النيابة العامة.
على مدى السنوات الماضية ما أثر هذه الجهات على المواطن؟
٭ على مدى سنوات لم يتلمس المواطن أي اثر إيجابي لتلك الأجهزة الرقابية، بل ان المواطن وصل الى حالة من الإحباط العام من أداء تلك الجهات بسبب ازدياد ظاهرة الفساد خاصة في السنوات القليلة الماضية، وأعزو ذلك الى عدد من الأسباب وهي:
1 - عدم اهتمام الأجهزة الرقابية باشراك المواطن بالمعلومات على الرغم من انه يعتبر شريكا حقيقيا في هذا الوطن، فكيف يطلب من المواطن ان يكون شريك بالإصلاح وهو مغيب عن المعلومات التي يرى من الأهمية الاطلاع عليها.
2 - عدم التعامل بشفافية تجاه نشر تقارير الأجهزة الرقابية ومؤشرات أدائها ويستثنى من ذلك ديوان المحاسبة حيث يقوم الديوان بنشر تقاريره سنويا عبر موقعه الإلكتروني.
3 - عدم التواصل الإعلامي المستمر مع المواطن، وعدم المبادرة في التواصل معه في القضايا العامة التي تثار في وسائل الاعلام المختلفة من باب الشفافية، وترك المواطن كهدف سهل لوسائل الاعلام غير الموثوقة، على الرغم من صدور قرار من مجلس الوزراء بتعيين ناطق رسمي لكل جهة ومؤسسة حكومية.
وفق ما نراه في الساحة اليوم، كيف يجب ان تعمل الجهات الرقابية؟
٭ في ظل تعدد الأجهزة الرقابية يجب ان تعمل على الآتي:
1 - توحيد استراتيجية العمل الرقابي بما يحقق التكامل في وظائفها، من خلال خلق منصة واحدة تلتقي بها الجهات الرقابية لمناقشة القضايا المشتركة، ولعل ما ورد بلقاء سمو رئيس مجلس الوزراء الأخير مع الأجهزة الرقابية من توجيهات بهذا الشأن، وصدور قرار من مجلس الوزراء بشأن تشكيل لجنة عليا للأجهزة الرقابية تابعة لمسو رئيس الوزراء بأن تكون ترجمة حقيقية لهذا التكامل بالاستراتيجية والعمل ويبقى التساؤل المطروح الآن هل سيكون لهذه اللجنة (المنصة) فعالية؟ وهل ستلبي اللجنة الطموح المرجو منها سواء من قبل الجهات الحكومية او الأجهزة الرقابية؟ علما بأن اول من نادى بمثل هذه المنصة هو جهاز المراقبين الماليين في عام 2016 وترجم ذلك بقرار صدر من مجلس الوزراء بهذا الشأن الا انه لم يتم تفعيله بالشكل المطلوب.
2 - تعامل الأجهزة الرقابية بشفافية بشأن التقارير الدورية التي تصدرها، من خلال اتاحتها للرأي العام لتقييم أداء وفعالية تلك الأجهزة، وأن تحذو الاجهزة الرقابية حذو ديوان المحاسبة والذي سبقها بهذه الممارسة الجيدة منذ سنوات عديدة.
3 - على الجهات الرقابية القيام بالمراجعة الدورية لتشريعاتها ولوائحها وآليات العمل لديها، وذلك لمواكبة التطور في الاعمال ولسد الثغرات فيها ان وجدت.
4 - تفعيل الاجهزة الرقابية لأدواتها المتعلقة في رفع كفاءة عملها وفعاليتها، من خلال الاختيار الامثل لعناصر العمل المكلفين بالرقابة، مع ضرورة وجود التدريب المستمر لتلك العناصر من خلال نقل الخبرات من افضل التجارب العالمية في مجال الرقابة.