قد نستغرب تفوق أناس على آخرين في مجال دون آخر، كيف تفوقوا وتميزوا دون أقرانهم؟ هل هي تربية أم وراثة أم تعلم؟ هل هي خبرات أم قدرات أم مهارات أم ملكات؟ وهل يمكن اكتسابها؟ الجواب: «إنما العلم بالتعلم».
سأركز هنا على أمرين، الرسم والتعبير، فبداية أي طفل التقليد، فلنبدأ أولا بتعليمه كيف يمسك القلم الرصاص، ويبدأ بالشخابيط على أي أوراق مستعملة حتى يألف القلم والورقة (بدل الحائط)، ثم نعلمه الخطوط المستقيمة والدوائر واستخدام ألوان الرصاص، والوالدان يشاركانه التدرج، هنا يبدأ تشكيل «الخيال» لدى الطفل، ويرسم رسومات غريبة بالنسبة لنا، لكنها تمثل شيئا كبيرا بالنسبة له، فاقبلوا خياله مع التوجيه.
سيتدرج أداؤه كلما كبر في السن وسيزيد خياله، سيرسم السمك وسط البحر، والعائلة داخل البيت، وهكذا حتى يكبر وخياله يكبر معه، وكلما كبر خياله زادت قدراته التحليلية والتخطيطية، فإما أن يعشق الرسم ويأخذ هذا الاتجاه.. وهم قلة، أو في حده الأدنى ما نرسمه على الأوراق عشوائيا في الاجتماعات والمحاضرات.
ويمكن الاستعانة ببرامج من الانترنت لتعلم الأطفال التدرج في الرسم، وفق أعمارهم تحت إشراف الوالدين.
ولا مانع من الرسم عبر الأجهزة الرقمية الحديثة تدريجيا، وعدم الاعتماد عليها كليا حتى أعمار معينة، كي لا يفقد الحس اليدوي للرسم.
سيتعلم مع النمو الكتابة، والأحرف عبارة عن رسم بشكل آخر.. خط مستقيم ودوائر ومثلثات وأقواس.. الخ، فإذا تعلم الرسم بشكل جيد سيكون من السهل عليه تعلم الكتابة، وإذا أحب الكتابة سيحب التعرف على أنواع الخطوط، ولن يتم ذلك إلا بالتمرين والتشجيع والمتابعة.
وسيتعلم بعدها القراءة تدريجيا، بدءا من بابا وماما إلى ما هو أكثر، ويأتي دورنا في تنمية معرفته الكلمات والمعاني ولا نستصغره، ونشجعه على قراءة القصص والاستماع لها، وشرح المترادفات إن صادفته، ولا أفضل من الكلمات المتقاطعة.
سنطلب منه بعد قراءة كل قصة أو موضوع ملخصا مكتوبا لها، ونطلب منه بعد كل سماع ملخصا كلاميا، حتى خطبة الجمعة، ثم نتدرج معه عمريا بتنمية الكتابة وتحويلها إلى خطابة مسموعة، لتنطلق معه الملكات اللفظية، ولا أفضل من الإذاعة المدرسية في تنميتها.
ننتقل بعدها الى مرحلة «التعبير»، فنحدد له موضوعا معينا ليكتب فيه من معلوماته وخبراته، ونبدأ معه بالبسيط، ونعلمه ونشجعه، ونبين له الأخطاء، ونعزز لديه الصواب، ونحفز البلاغة عنده، واستخدام الأمثال والشعر، وكلما كبر كبرت معه المعاني وتعزز لديه التعبير الكتابي، الذي سيرى أثره لفظيا عند الكلام مع الآخرين، حيث إنه يمتلك كلمات وتعبيرات لا يملكها غيره، وستتعزز لديه الثقة بالنفس، وهنا نجد الفارق بين القادة والخطباء والمحاورين في قدراتهم التعبيرية من دون ورقة.
وينبغي مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء، فمنهم سريع التعلم والتلقي، ومنهم المتوسط والبطيء، فلا نقسوا عليهم ولكن لنبدأ معهم كل حسب قدراته، فكلٌ ميسر لما خلق له، ولا تنسوا الدعاء لأبنائكم.