بقلم:د.سارة صلاح عبدالله الغانم
يحتفل العالم سنوياً بيوم الصيدلي العالمي والعاشر لهذا العام بتاريخ 25 سبتمبر، تحت شعار «تحويل الصحة العالمية» والذي يمثل فرصة لتعزيز دور الصيادلة لتحسين الصحة من خلال تقديمهم مجموعة متنوعة من الخدمات الصحية في مجتمعاتهم وبالتعاون مع زملائهم بمختلف التخصصات الطبية.
إن مهنة الصيدلة مهنة متأصلة ولها تاريخ عريق ولكنها غير مستغلة بشكل سليم ضمن نظامنا الصحي، خلال جائحة فيروس «كورونا المستجد» توجهت الأنظار إلى هذه المهنة عامة وصناعة الأدوية خاصة، وبدأ المجتمع يدرك مدى جسامة علوم الدواء ودور الصيدلاني والتي سنأخذهم لها في طيات مقالتنا المتواضعة.
حتى وقت قريب كان الحصول على إمدادات الدواء يعتبر من المسلّمات ولكن الأمر انقلب في بداية الجائحة، فلم يعد ذلك بالأمر الهين بل انتقل لخانة الصعوبة بعد الإغلاق المفاجئ للدول داخليا وخارجيا.
الصدمة المفاجئة أربكت المرضى والمجتمعات بأسرها وازدحمت الصيدليات الحكومية والخاصة بالمراجعين وعانت بعض الدول من نقص الأدوية ولنا أن نتخيل حجم المأساة الدوائية في العالم التي أدت الى أزمة غير متوقعة في القطاع الطبي العالمي واضطرت عدة دول إلى تقنين استخدام وصرف الأدوية داخليا وتصديرها للخارج ما رسم علامات استفهام كبيرة حول النقص المتوقع وكيفية توفيره وبكميات تناسب حاجة القطاع الصحي.
وفي ظل عدم وجود علاج معتمد لهذا الفيروس، كان للصيادلة العاملين في سلسلة التوريد الصيدلانية والرقابة الدوائية دور رئيسي في إدارة أي دواء محتمل أو نقص في استهلاك الأدوية، مع الجدية في العمل وبشكل استباقي لرسم خطة واقعية لاستخدام الموارد الحالية وبحكمة مع الاستعداد لمواجهة أعباء الحالات المتزايدة أو سيناريوهات الطوارئ.
يقال إن في المحنة منحة، وهذا ما حدث لجميع قطاعات الصيدلة خلال الجائحة، فكان لهم دور فاعل ووجود ملحوظ في الجهات الحكومية والخاصة على حد سواء، فكيف لا والصيادلة مصدر معلومات موثوق به للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالأدوية والرد على الإشاعات الكثيرة والمغلوطة عن علاجات المرض وطرق الوقاية منه والتي ازدحمت بها وسائل التواصل الاجتماعي.
فسياسات الدول للحظر والتباعد الاجتماعي حماية لمواطنيها أبرزت دور الصيادلة العاملين في شتى القطاعات ما ساهم في تعزيز التعاون بالجسم الصحي خلال هذه الجائحة وشكل نقطة اتصال أولى لتلبية احتياجات الرعاية الصحية، فالوصول لهم أسرع من الوصول لأقسام الطوارئ والعيادات، وشكل الصيادلة رقماً مهماً في تقديم خدمات الصحة العامة للمرضى والمجتمع، فقد ساند الصيادلة العاملون في قطاعات المستشفيات الطاقم الطبي أثناء تفشي المرض وذلك بمتابعة آخر الدراسات والمستجدات العالمية من المنظمات المتخصصة فيما يختص بعلاج هذا المرض الجديد والتعامل مع المشاكل والأعراض الجانبية للأدوية مع الرد على استفسارات الطاقم الطبي والمسؤولين بشكل سريع ومهني.
ومن باب المسؤولية المجتمعية، تم إصدار أرقام الخط الساخن للتشجيع على الاستشارات الهاتفية الدوائية للمرضى وذويهم وتلبية صرف الوصفات الطبية للتوصيل المنزلي وذلك لتقليل الزيارات للمستشفيات والعيادات.
لقد فرضت الجائحه تغيرات عديدة وسريعة في الوظائف والأدوار وأساليب الحياة ولكن دور الصيدلي لم يتغير بل زادت أهميته وتطورت معها طريقة التواصل مع المريض، فأصبح التفاعل عن بُعد هو سيد الموقف لاستثمار وقت الصيدلي بشكل أكثر نفعا على القطاع الصحي والمجتمع والمريض.
فالصيادلة يمكنهم تقديم الاستشارات الدوائية للمرضى والتوفيق بين الأدوية وتقديم عدد من الخدمات المتوقعة منهم للمحافظة على سلامة العلاج الموصوف للمريض وغيرها من الخدمات عن بعد.
كما قدمت لنا هذه الجائحة فرصة ذهبية لتفعيل الرعاية الصحية عن بعد، وظهر أن الطلب متزايد على هذه الخدمة، فتحول وبسرعة مذهلة جزء كبير من خدمات الصيدلة بشتى قطاعاتها الخدمية المباشرة مع المرضى إلى التواصل عن بعد والتي كان لها قبول من الطرفين، فمن الممكن الاستمرار باستخدام التكنولوجيا والتعامل عن بعد، وبذلك تتم المحافظة على توفير ودعم احتياجات الرعاية الصحية للنظام الصحي بشكل عام وللمرضى بشكل خاص.
التساؤل الآن بعد هذه التجربة الناجحة: هل سنعود إلى عادات العمل السابقة؟ وما الدروس التي يمكننا تعلمها لتحسين خدمات الصيدلة في الدولة بمختلف قطاعات المهنة؟
نحن بحاجة إلى إعداد أنفسنا لعصر مختلف من الرعاية الصحية عن بُعد واستخدام التكنولوجيا بطريقة فعالة واقتصادية لدعم التوسع في خدمات الصيدلة وخلق مسارات وظيفية جديدة تتماشى مع التغيرات، إنها دعوة للتأمل والتعلم.
ونقولها بحق: يستحق جميع العاملين في قطاعات الصيدلة هذه المهنة الإنسانية أولا والراقية ثانيا والتي جسدت دورها الحقيقي ودعمت الجسم الصحي خلال الجائحة، الشكر والإجلال لدورهم الفاعل والبناء، وإننا لندعو إلى استمرار العمل يدا بيد لما فيه تحسين للخدمات الصحية والارتقاء بمنظومة العمل الصحي، فشكرا «كورونا» لجذب الأنظار لمهنتنا.
[email protected]
dr.sarahalghanem@