مخيم للنازحين في مدينة غزة
في مقال منشور بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، يتناول الكاتب جيسي ر. واينبرغ اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان غزة إلى خارج القطاع، مشيراً إلى أن هذه الفكرة ليست جديدة ولا مبتكرة، بل تعكس نمطاً متكرراً في التعامل مع القضية الفلسطينية.
ويرى أن التداعيات السياسية لهذا الطرح أوجدت جبهة عربية موحدة، ولكن ليس بالضرورة دعماً للفلسطينيين، وإنما رفضاً لتحمل مسؤولية استيعابهم، وفق وصف الكاتب.
ويشير واينبرغ إلى أن القومية العربية، رغم وضعها القضية الفلسطينية في صدارة خطابها السياسي، لطالما تعاملت مع الفلسطينيين كأداة سياسية دون التزام عملي حقيقي تجاههم، على حد تعبيره.
وينوه المقال إلى أن خطة ترامب سرعان ما قوبلت برفض عربي واسع، حيث أصدرت كل من السعودية، والإمارات، وقطر، ومصر، والأردن، والسلطة الفلسطينية بياناً مشتركاً يعارض بقوة هذا الطرح. ويرى واينبرغ أن التوافق العربي هنا ليس تعبيراً عن دعم الفلسطينيين بقدر ما هو تأكيد لرفض الدول العربية تحمل مسؤولية إعادة توطينهم.
ورغم الرفض العربي القاطع، يشير واينبرغ إلى أن اقتراح ترامب قد يؤدي إلى إعادة التفكير في عملية السلام، عبر دفع الدول العربية إلى تحمل مسؤولية أكبر في إعادة إعمار غزة، والتعامل مع مسألة استبدال حماس كسلطة حاكمة في القطاع.
ولكن الكاتب ينتقد رؤية ترامب للشرق الأوسط باعتباره مجرد صفقة عقارية كبرى، معتبراً أن ذلك يعكس نقصاً في الفهم السياسي والواقع الجيوسياسي للمنطقة، فالنتيجة الحقيقية لهذه الخطة لم تكن سوى توحيد الموقف العربي ضد أي فكرة لاستيعاب الفلسطينيين في الدول المجاورة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء استماعه إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وهو يتحدث خلال مؤتمر صحفي مشترك في الغرفة الشرقية في البيت الأبيض. 13 فبراير2025
ويرى واينبرغ أن الأردن ومصر هما الأكثر قلقاً من تبعات هذه الخطة، نظراً لما قد يترتب عليهما من ضغوط سياسية واقتصادية خطيرة.
ويضيف الكاتب أن اقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإنشاء دولة فلسطينية على أراضٍ سعودية زاد الأمور تعقيداً،.
ويخلص واينبرغ إلى أن الموقف العربي من رفض توطين الفلسطينيين ظل ثابتاً منذ عام 1982 وحتى اليوم، رغم كل التغيرات السياسية الإقليمية.
سياسة ترامب: هل تصبح أمريكا وحيدة؟
نشرت صحيفة ستريت تايمز السنغافورية مقالا يناقش فيه الكاتب أندرياس كلوث كيف أن شعار "أمريكا أولاً" الذي يرفعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية، لم يؤدِ إلى تعزيز قوة الولايات المتحدة، بل سرّع من عزلتها الدولية.
ويرى أن سلوك ترامب السياسي وتحركاته العدائية تجاه الحلفاء تجعل من كراهية أمريكا وعزلتها مسألة حتمية أكثر من كونها مفاجئة.
ويشير كلوث إلى أن ترامب روّج خلال حملته الانتخابية لفكرة أنه سيحقق السلام عبر "القوة"، مدعياً قدرته على إنهاء حرب روسيا ضد أوكرانيا في غضون 24 ساعة، ومنع اندلاع نزاعات جديدة، لكن، منذ إعادة انتخابه وتنصيبه، اتخذ ترامب نهجاً أكثر عدائية، مستبدلاً الخطاب الدبلوماسي بـ "البلطجة السياسية"، على حد وصف الكاتب.
ويوضح أن ترامب هدد بالفعل عدداً من الدول، ليس فقط الخصوم التقليديين بل حتى حلفاء الولايات المتحدة، إذ هدد الدنمارك بشراء غرينلاند، وضغط على بنما بسبب قناتها المائية، ولوّح بدمج كندا كولاية أمريكية جديدة، ومارس الضغط على كولومبيا بشأن استقبال المهاجرين، واعتبر حكومة جنوب أفريقيا معادية للبيض، ومارس ضغوطاً على مصر والأردن في محاولة لاستيعاب سكان غزة بعد خطة "الاستيلاء على ملكية القطاع".
كذلك فرض ترامب تعريفات جمركية على الحلفاء التجاريين مثل كندا، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي، بينما لم يمارس نفس الضغوط على روسيا والصين، وهو ما يثير تساؤلات حول استراتيجيته الفعلية.
ويرى كلوث أن الدول لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التحولات، بل بدأت في تشكيل تحالفات جديدة تستبعد الولايات المتحدة، فالاتحاد الأوروبي يبحث عن شركاء جدد في أمريكا اللاتينية وآسيا، وهناك تزايد في عدد الدول المنضمة إلى "مجموعة بريكس"، التي تعتبر بديلاً لمجموعة السبع التي تقودها واشنطن.
ويشير الكاتب إلى أن هذه التحركات تعكس تحوّلاً جذرياً في السياسة الدولية، إذ لم تعد الدول ترى في الولايات المتحدة القائد الموثوق، بل باتت تبحث عن استراتيجيات توازن جديدة تحمي مصالحها بعيداً عن النفوذ الأمريكي.
ويضيف كلوث في مقاله أن ترامب، بشخصه، وحركته السياسية "اجعل أمريكا عظيمة مجدداً"، يرتكبان خطأً استراتيجياً كارثياً، عبر الخلط بين استعراض القوة العدائية والقيادة الفعلية، فبينما يرى ترامب أن إضعاف الحلفاء والضغط عليهم سيجعل أمريكا أقوى، فإن الواقع يشير إلى أن ذلك يعزل الولايات المتحدة ويدفع العالم إلى البحث عن توازن جديد يستبعدها.
ويحذر الكاتب من أن سياسة ترامب قد تؤدي في نهاية المطاف إلى "أمريكا وحيدة"، بدلاً من "أمريكا أولاً"، وهو السيناريو الذي يتشكل بالفعل أمام أعيننا.
"أمريكا أولاً"
في سياق متصل نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً للكاتبة غابي هينسليف ناقشت فيه، كيف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، لم يعد يخفي ميوله نحو التخلي عن الحلفاء، بدءاً من أوكرانيا وحتى بريطانيا، وهو ما يظهر الوجه الحقيقي لسياسة "أمريكا أولاً" في الممارسة العملية.
وتشير الكاتبة إلى أن الإفراج عن مارك فوجل، المواطن الأمريكي الذي أمضى ثلاث سنوات ونصف في سجن روسي بسبب حيازة الماريجوانا، لم يكن مجرد عملية إنسانية، بل رسالة سياسية مدروسة من ترامب، مفادها أن التقارب مع فلاديمير بوتين يمكن أن يأتي بثمار إيجابية.
ولم تمر سوى ساعات قليلة على هذه الصفقة حتى بدأ وزير الدفاع الأمريكي الجديد، بيت هيغسيث، في بروكسل، بوضع شروط استسلام أوكرانيا، فيما وصفه رئيس سابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية إم آي 6 بأنه "فرصة ذهبية لبوتين".
وتوضح هينسليف أن السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة ترتكز على فك الارتباط بأوروبا، والتركيز على الصين وحماية الحدود الأمريكية، فبالنسبة لإدارة ترامب، يجب أن تنتهي حرب أوكرانيا، وما يحدث بعدها هو مسؤولية أوروبا.
وتشير إلى أن كل النداءات السابقة التي أكدت أن أوكرانيا دولة ذات سيادة يجب أن تقرر مصيرها قد تلاشت تماماً، بعد أن تواصل ترامب مباشرة مع بوتين، ويبدو أنه قدم تنازلات كبرى حتى قبل بدء المفاوضات الرسمية.
وتضيف الكاتبة أن ترامب يرى أنه يجب السماح لروسيا بالاحتفاظ ببعض الأراضي التي استولت عليها بالقوة، لأن "روسيا خسرت الكثير من الجنود"، كما لو أن ذلك يبرر عدوانها.
كما ترى هينسليف أن هذه السياسة لا تعني فقط هزيمة أوكرانيا دبلوماسياً، بل تضع بريطانيا في وضع صعب جداً. فالعالم يدخل عصراً جديداً من الإمبراطوريات، حيث تتصارع أمريكا، والصين، وروسيا على الموارد والأسواق والتوسع الإقليمي، فيما تُركت بريطانيا لتواجه واقعها وحدها
وتوضح الكاتبة أن نجاح بريطانيا في السياسة الخارجية كان دائماً مرتبطاً بقوة الولايات المتحدة، لكنها الآن تجد نفسها أمام واقع مختلف تماماً، فمع تراجع الالتزام الأمريكي تجاه أوروبا، أصبح الجيش البريطاني عرضة للخطر، لدرجة أن وزير الدفاع البريطاني أليستير كارنز حذر مؤخراً من أن الجيش البريطاني يمكن أن يُهزم خلال ستة أشهر فقط في حرب مماثلة للحرب الأوكرانية.
وتضيف أن بريطانيا بَنت استراتيجيتها الدفاعية بالكامل على فكرة أن القوات الأمريكية ستكون قادرة على سد الفجوات التي لا تستطيع لندن التعامل معها وحدها، لكن في ظل التحولات الجارية، يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً يمكن الاعتماد عليه، ما يعني أن بريطانيا قد تضطر إلى زيادة إنفاقها الدفاعي بشكل غير مسبوق، حتى لو كان ذلك على حساب أولويات أخرى مثل الخدمات الصحية والتعليم.
وتشير الكاتبة إلى أن سياسة ترامب الحالية لم تفاجئ أحداً، إذ كان هناك وقت كافٍ للاستعداد، لكن بريطانيا وأوروبا اختارتا تجاهل التحذيرات، والآن، مع تغير المشهد الدولي، تجد بريطانيا نفسها في موقف صعب، بين إعادة التكيف مع واقع جديد أو مواجهة خطر العزلة الجيوسياسية.