جنود إسرائيليون أثناء إطلق وحدة مدفعية متنقلة النار على جنوب لبنان في أغسطس/آب 2006
انتهت المهلة المحددة لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في 18 فبراير، بمقتضى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم بوساطة دولية، وأنهى ما يزيد على 16 شهراً من المعارك بين الطرفين.
وبحسب بنود الاتفاق، تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، على أن يلتزم حزب الله اللبناني بسحب كافة مقاتليه وأسلحته من المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني.
وينص الاتفاق على نشر آلاف القوات اللبنانية في المنطقة تزامناً مع تلك الخطوة.
وأسفرت العمليات العسكرية خلال الفترة الماضية، عن مقتل نحو أربعة آلاف شخص في لبنان، من بينهم عدد كبير من المدنيين، فضلاً عن اضطرار ما يزيد على 1.2 مليون شخص للنزوح، بحسب ما أفادت به السلطات اللبنانية.
كما تحدثت السلطات الإسرائيلية عن مقتل نحو 80 جندياً، فضلاً عن سقوط 47 مدنياً، ونزوح 60 ألف شخص داخل إسرائيل.
وشكّل الصراع الأخير تصعيداً بالغ الأهمية في سلسلة العداء المستمر منذ عقود بين إسرائيل وحزب الله، وإن كانت ليست المرة الأولى التي تغزو فيها إسرائيل لبنان، إذ سبق ونفّذت في خمس مناسبات على الأقل، عمليات عسكرية ضخمة داخل الحدود اللبنانية.
عام 1978: عملية الليطاني (التي تُعرف في لبنان بالاجتياح الإسرائيلي الأول)
قوات إسرائيلية في دورية في قرية زبقين بجنوب لبنان عام 1978
شنت إسرائيل، في 14 مارس/آذار، عمليات عسكرية بُغية دفع مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزين في لبنان في ذلك الوقت بعيداً عن الحدود، وذلك في أعقاب هجوم بحري شنه مقاتلو المنظمة، أسفر عن مقتل نحو 30 مدنياً في شمال إسرائيل.
ويذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية اتخذت من لبنان مقراً لها في أعقاب طردها من الأردن عام 1970.
وزحفت القوات الإسرائيلية حينها شمالاً حتى ضفاف نهر الليطاني، بيد أنها عجزت عن الاشتباك المباشر مع مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، التي انسحبت بخطوات محسوبة قبل أن يدركها التقدم الإسرائيلي.
وأعلنت منظمة التحرير الفلسطينية وقف إطلاق النار بعد أسبوعين، ثم انسحبت القوات الإسرائيلية في وقت لاحق من العام، إلا أنها دعمت فرقة تابعة لها للسيطرة على المناطق الحدودية، وهي "جيش لبنان الجنوبي".
وتشير التقديرات إلى أنه بانتهاء عملية الليطاني في شهر يونيو، سقط ما يزيد على 1100 قتيل في صفوف اللبنانيين والفلسطينيين.
وبموجب قرار أصدره مجلس الأمن الدولي، نُشرت قوات حفظ السلام التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" على امتداد الحدود الفعلية بين الدولتين، والمعروفة باسم الخط الأزرق.
وقُتل ما يزيد على 300 جندي من جنسيات مختلفة خلال تأدية مهامهم منذ عام 1978، مما يجعل هذه المهمة هي الأخطر ضمن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
عام 1982: عملية سلامة الجليل (الاجتياح الإسرائيلي الثاني للأراضي اللبنانية)
شنت إسرائيل هجوماً على لبنان في عام 1982 لطرد الآلاف من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية
لم تضع عملية الليطاني حداً للاشتباكات بين مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين على الحدود، ففي أعقاب إصابة السفير الإسرائيلي برصاص فصيل فلسطيني في لندن في 3 يونيو عام 1982، أطلقت إسرائيل، بقيادة وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون، عملية عسكرية واسعة النطاق، شارك فيها آلاف الجنود ومئات الآليات العسكرية.
وبدأ الهجوم في السادس من يونيو، واستطاعت القوات الإسرائيلية خلال بضعة أيام، الوصول إلى مشارف العاصمة اللبنانية، وشرعت في قصف منطقة غرب بيروت، ذات غالبية مسلمة.
وعقب حصار استمر ما يزيد عن شهرين، تمّ إجلاء آلاف المقاتلين الفلسطينيين بحراً.
كما اشتبك الجيش الإسرائيلي مع قوات سورية في شرق البلاد، وأسقط عشرات الطائرات في واحدة من أضخم المعارك الجوية.
وقدّرت السلطات اللبنانية أن تلك المعارك أسفرت عن مقتل نحو 19 ألفاً من المدنيين والعسكريين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، رغم أن هذا الرقم قوبل بشكوك، بينما أفاد الجيش الإسرائيلي بمقتل 376 جندياً خلال الفترة بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 1982.
ولم تتوقف عمليات القتال عند هذا الحد، فعلى إثر اغتيال الرئيس اللبناني المسيحي المنتخب في ذلك الوقت جراء تفجير سيارة مفخخة في 14 سبتمبر/أيلول، سمح الجيش الإسرائيلي للميليشيات المسيحية بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، ما أسفر عن وقوع مجزرة راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين، قدّر ما بين 700 و3500 قتيل.
وفي العام التالي، سحبت إسرائيل قواتها من وسط لبنان، بيد أنها تمركزت في "منطقة أمنية" بعمق 19 كيلومترا داخل الأراضي اللبنانية في عام 1985، ولم تغادر لبنان كلياً إلا بعد 18 عاماً.
وخلال تلك الفترة، برز حزب الله كقوة بدعم من إيران، التي أمدّته بالأسلحة والتمويل اللازم، بغية محاربة هذه "القوات الأجنبية" على الأراضي اللبنانية.
عام 1993: عملية تصفية الحساب (حرب السبعة أيام)
نشأ حزب الله من ميليشيات شيعية تشكّلت لمقاومة إسرائيل بعد غزوها عام 1982
استهدفت الطائرات الإسرائيلية عشرات الأهداف التابعة لحزب الله بقصف مكثف استمر لمدة أسبوع بدءاً من 25 يوليو/تموز، وقالت إسرائيل إن القصف جاء رداً على هجمات صاروخية استهدفت مواقعها في لبنان وشمال إسرائيل، وأكدت أن العملية كانت تهدف إلى "منع حزب الله من تحويل جنوب لبنان إلى معقل للإرهاب".
وادعى حزب الله وقتها أنه أطلق صواريخه رداً على غارات جوية إسرائيلية بطائرات مروحية نُفذت في وقت سابق.
وأطلق الجيش الإسرائيلي آلاف القذائف أثناء الغارات، وقال إنه قتل 50 مقاتلاً من العدو ووصفهم بـ"الإرهابيين".
كما أسفرت الغارات عن تدمير آلاف المباني، وقدّرت الأمم المتحدة عدد الضحايا المدنيين بـ 130 قتيلاً، فضلا عن نزوح 300 ألف شخص.
وأفاد الجيش الإسرائيلي بمقتل جندي إسرائيلي ومدنيين اثنين خلال العملية.
عام 1996: عملية عناقيد الغضب (التي عُرفت في لبنان باسم حرب نيسان)
أجبرت المعارك التي اندلعت عام 1996 عدداً كبيرة من السكان على الفرار من منطقة الصراع على جانبي الحدود
اندلع الصراع مجدداً في شهر أبريل/نيسان في أعقاب هجوم صاروخي على إسرائيل، التي ردت من جانبها على هذا الهجوم بقصف مكثّف استخدمت فيه آلاف القذائف، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على 200 شخص، معظمهم من المدنيين، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
كما قُتل ما يزيد على 100 شخص بعد أن استهدف الجيش الإسرائيلي موقعاً تابعاً للأمم المتحدة في قانا، كان مدنيون قد لجأوا إليه بحثاً عن ملاذ آمن.
استمرت الحملة العسكرية الإسرائيلية هذه في لبنان لفترة أطول، لكنها كانت مشابهة للعمليات السابقة.
وقالت القوات الإسرائيلية إنها اتبعت تكتيكاً تمثّل في استهداف القرى الشيعية في جنوب لبنان "بغية دفع المدنيين للنزوح شمالاً باتجاه بيروت، للضغط على الحكومتين السورية واللبنانية لاتخاذ تدابير تهدف إلى التصدي بحزم لأنشطة حزب الله".
وأطلق حزب الله مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل، مما أسفر عن إصابة نحو 55 مدنياً، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
كما نزح مئات الآلاف من اللبنانيين وعشرات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين جراء النزاع.
وأبرم الطرفان، في 27 أبريل/نيسان، اتفاقاً لوقف إطلاق النار، في خطوة أنهت هذه الجولة من المعارك.
عام 2006: حرب لبنان الثانية
شن الجيش الإسرائيلي هجوماً برياً وبحرياً وجوياً، استمر لما يزيد على شهر، استهدف من خلاله جنوب لبنان وبيروت، وذلك في أعقاب احتجاز حزب الله لجنديين إسرائيليين في 12 يوليو/تموز.
واتسعت رقعة الهجمات لتشمل مواقع تابعة لحزب الله، ولم تسلم البنية التحتية المدنية من تلك الهجمات، التي طالت مطار بيروت الدولي.
ولم يصل التوغل البري الإسرائيلي إلى عمق الأراضي اللبنانية كما حدث في المرات السابقة، إلا أن حزب الله اعتبر الحرب نصراً بالنسبة له.
ودخلت هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة حيز التنفيذ في 14 أغسطس/آب، وكان من المفترض، وفقاً لبنود القرار الأممي، أن تتمركز قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة والجيش اللبناني فقط جنوب نهر الليطاني، إلا أن هذا لم يحدث إطلاقاً.
وأسفر هذا الصراع، الذي استمر 34 يوماً، عن مقتل ما يزيد على 1125 لبنانياً، معظمهم من المدنيين، فضلاً عن مقتل 119 جندياً و45 مدنياً إسرائيلياً.
عام 2023 - حتى الآن
شن حزب الله هجوماً صاروخياً على مواقع إسرائيلية في منطقة حدودية متنازع عليها دعماً للفلسطينيين في غزة، وذلك في أعقاب هجوم شنته حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
كما شرع حزب الله، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، في شنّ هجمات على شمال إسرائيل.
واستمرت الهجمات المتبادلة حتى السابع عشر من سبتمبر/أيلول 2024، حين شهد الصراع تصعيداً إثر تفجير إسرائيل لأجهزة النداء "بيجر" التي يستخدمها عناصر حزب الله، ثم تلاه في 18 من سبتمبر/أيلول تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي، مما أسفر عن مقتل 39 شخصاً وإصابة الآلاف في شتى أرجاء البلاد.
وبعد أسبوع بدأت عملية عسكرية أُطلق عليها "السهام الشمالية"، إذ شنت إسرائيل غارات جوية مكثّفة استهدفت حزب الله، تبعها هجوم بري في شهر أكتوبر، وأعلنت وقتها أن هدفها هو تأمين العودة الآمنة لنحو 60 ألفاً من سكان شمال إسرائيل، الذين اضطروا إلى النزوح بسبب الهجمات الصاروخية.
وأعلن سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، في 22 سبتمبر، أن حزب الله أطلق، منذ هجمات 7 أكتوبر، ما يزيد عن 8 آلاف صاروخ باتجاه شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
كما شنّت إسرائيل غارة جوية في 27 سبتمبر أسفرت عن مقتل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، لم تتوقف إسرائيل عن استهداف مواقع تابعة لحزب الله في لبنان، وأشارت إلى أن عملياتها العسكرية ستظل قائمة للحيلولة دون إعادة تسليح الحزب.