ولد الطفل جيس، 6 سنوات، بمرض نادر في العينين
وفقا للأطباء في مستشفى "مورفيلدز" للعيون في العاصمة البريطانية لندن، ساعدت تجربة عملية للعلاج الجيني أربعة أطفال صغار - ولدوا بأحد أشد أشكال العمى في مرحلة الطفولة - على اكتساب "تحسينات غيرت حياتهم" فيما يتعلق بالإبصار.
وتؤدي هذه المشكلة الوراثية النادرة إلى تدهور رؤية الأطفال بسرعة كبيرة منذ الولادة.
وقبل العلاج، تم تسجيلهم كعميان من الناحية القانونية، وكانوا قادرين بالكاد على التمييز بين الظلام والضوء. وبعد العلاج، أبلغ جميع الآباء عن تحسن - حيث أصبح بعض أطفالهم الصغار قادرين الآن على البدء في الرسم والكتابة.
ويتم حاليا إجراء المزيد من العمل لتأكيد نتائج الدراسة الأولية، والتي نشرت في دورية لانسيت الطبية.
يذكر أن علاجا جينيا لشكل آخر من أشكال العمى الوراثي متاح، لدى هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، منذ عام 2020.
وتقوم التجربة الجديدة على حقن نسخ صحية من جين معيب في الجزء الخلفي من عين الطفل، في وقت مبكر جداً من حياته، لعلاج شكل حاد من هذه الحالة.
تلقى جيس العلاج في إحدى عينيه بعد وقت قصير من بلوغه عامين
وتلقى جيس، من ولاية كونيتيكت في الولايات المتحدة، العلاج الجيني في لندن عندما كان يبلغ من العمر عامين فقط.
وعندما كان طفلاً صغيراً، لاحظ والداه أن هناك مشكلة ما في بصره.
وتقول والدته، دي جي: "عندما كان عمره حوالي ثمانية أسابيع، حين يجب أن يبدأ الأطفال في النظر إليك والابتسام، لم يكن جيس يفعل ذلك بعد".
لقد عرفت الأم بشكل غريزي أن هناك مشكلة وبدأت في البحث عن السبب، الأمر الذي استغرق 10 أشهر.
وبعد عدة زيارات للأطباء والعديد من الاختبارات، قيل للعائلة أن جيس يعاني من حالة نادرة للغاية. إنها ناجمة عن طفرة في جين يسمى AIPL1 ولا يوجد علاج محدد له.
"لقد كانت صدمة"، هكذا يقول والد جيس بريندان عن طفله الأول.
ويضيف: "لم يكن من الممكن أن تتخيل أن هذا سيحدث لك، بالطبع، ولكن كان هناك الكثير من الراحة والفرج لمعرفة ذلك أخيرا... لأنه أعطانا وسيلة للمضي قدما".
لقد كانت الأسرة محظوظة لسماعها عن اختبار تجريبي يُجرى في لندن - بالصدفة فقط - عندما كانوا في مؤتمر حول أمراض العيون.
وكانت العملية الجراحية التي أجريت لـ جيس سريعة و"سهلة جداً"، كما تقول والدته. كان لديه أربع ندوب صغيرة في عينه، حيث تم حقن نسخ صحية من الجين في شبكية العين في الجزء الخلفي من العين، من خلال جراحة بالمنظار.
وتوجد هذه النسخ داخل فيروس غير ضار، يمر عبر خلايا الشبكية ويحل محل الجين المعيب. ثم تبدأ الجينات الصحية النشطة عملية تساعد الخلايا، في الجزء الخلفي من العين، على العمل بشكل أفضل والبقاء لفترة أطول.
في الشهر الأول بعد العلاج، لاحظ بريندان أن طفله جيس بدأ في التحديق لأول مرة، عند رؤية ضوء الشمس الساطع يتدفق عبر نوافذ منزلهم.
ويقول بريندان إن تقدم ابنه كان "مذهلاً للغاية".
و"قبل الجراحة، كان بإمكاننا أن نحمل شيئاً بالقرب من وجهه ولا يتمكن من تتبعه على الإطلاق".
"الآن، يلتقط الأشياء من على الأرض، ويخرج الألعاب، ويفعل أشياء مدفوعة ببصره لم يكن ليفعلها من قبل".
وقد لا يكون هذا هو العلاج الأخير الذي يحتاجه في حياته، كما يقول والداه، لكن التحسن الذي حدث حتى الآن يساعده على معرفة العالم بشكل أفضل.
ويقول بريندان: "من الصعب حقا التقليل من تأثير امتلاك القليل من الرؤية".
ليس هناك خيارات أخرى
جاء جيس إلى لندن مع والديه من أجل العلاج الجيني التجريبي
وقال البروفيسور جيمس باينبريدج، جراح شبكية العين في مستشفى مورفيلدز للعيون، الذي ساعد في قيادة التجربة، إن إعطاء الأطفال فرصة تحسين البصر في وقت مبكر من الممكن أن يحدث فرقا كبيرا، في نموهم وقدرتهم على التفاعل مع الناس.
ويشف: "إن ضعف البصر عند الأطفال الصغار له تأثير مدمر على نموهم وتطورهم".
وقال إن "العلاج في مرحلة الطفولة بهذا الدواء الجيني الجديد يمكن أن يحول حياة أولئك الأكثر تضرراً".
وُلد الأطفال الأربعة، وهم من الولايات المتحدة وتركيا وتونس، وهم مصابون بشكل عدواني (سريع الانتشار) من مرض ليبر الخلقي (Leber Congenital Amaurosis)، حيث يؤدي الخلل الجيني إلى أن تتعطل الخلايا الموجودة في الجزء الخلفي من أعينهم - والتي تساعد عادةً في التمييز بين الضوء والألوان - وتموت بسرعة.
وطور العلماء في كلية لندن الجامعية العلاج المبتكر، والذي يتضمن ضخ نسخ صحية من الجين في الجزء الخلفي من العين، وقاد أخصائيو مستشفى "غريت أورموند ستريت" إجراء التجربة.
وعلى عكس التجارب العلمية التقليدية، عُرض على عائلات الأطفال هذا العلاج التجريبي بموجب ترخيص خاص مصمم للاستخدام الرحيم، عندما لا توجد خيارات أخرى متاحة بسهولة.
وعولج كل طفل في عين واحدة - وهو إجراء يتم اتخاذه في حالة وجود أي آثار جانبية للعلاج.
وكان عمرهم بين سنة وثلاث سنوات عندما أجريت لهم العملية، وتم فحص بصرهم على فترات منفصلة على مدى السنوات الأربع التالية، بطرق متنوعة - بما في ذلك التحرك في الممرات واكتشاف الأبواب.
ونظراً لسنهم، وجد بعض الأطفال أن اختبارات قياس النظر الرسمية أكثر صعوبة.
"مثيرة للإعجاب بشكل كبير"
وفقا لأطباء مستشفى مورفيلدز، فإن نتائج الاختبارات التي أكملوها، إلى جانب تقارير الوالدين عن تحسن الأطفال، تقدم "دليلا دامغا" على أن جميع الأطفال الأربعة استفادوا من العلاج، وكانوا يرون أكثر مما كان متوقعا مع المسار الطبيعي للمرض.
في غضون ذلك، تدهورت الرؤية في عيونهم غير المعالجة، كما كان متوقعا.
وقال البروفيسور ميشيل مايكلايدس، جراح العيون الاستشاري في معهد طب العيون بكلية لندن الجامعية: "النتائج بالنسبة لهؤلاء الأطفال مثيرة للإعجاب بشكل كبير، وتظهر قوة العلاج الجيني في تغيير الحياة".
ويخطط الفريق لمراقبة الأطفال لمعرفة مدى استمرار النتائج.
وتمنحهم النتائج التي توصلوا إليها حتى الآن الأمل، في أن التدخل المبكر في حالات أمراض العيون الوراثية الأخرى، التي تصيب الأطفال، قد يقدم "أكبر فائدة" ويغير في نهاية المطاف حياة الأطفال.