في حي هادئ على أطراف العاصمة الألمانية برلين، تعيش الفنانة التشكيلية والناشطة السورية كفاح علي الديب مع زوجها وابنتها التي تبلغ من العمر عامين.
وانتقلت كفاح إلى ألمانيا قبل عشرة أعوام هرباً من ويلات الحرب في سوريا ولكن بعد سقوط حكم الأسد، تحلم أن تعود إلى سوريا مع أسرتها "بمجرد أن تجد عملاً لكسب العيش".
وتقول كفاح التي تريد لابنتها أن "تنشأ في سوريا" مثلها مثل ملايين الأطفال الآخرين، إنها على استعداد للعودة والعيش في نفس الظروف مع جموع السوريين حتى مع "انقطاع الكهرباء والخدمات والبنية التحتية".
كفاح واحدة مما يقرب من مليون سوري فتحت لهم ألمانيا أبوابها في عام 2015، إذ صرحت آنذاك المستشارة أنغيلا ميركل بأن ألمانيا باستطاعتها استقبال الأعداد الكبيرة من السوريين الذين قدموا عبر البحر المتوسط وسيراً على الأقدام من دول أوروبية أخرى.
ترأس لمى الخاني مركز "أبيتزيل" لدعم المهاجرين في ألمانيا ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع وإيجاد فرص للعمل وتعلم اللغة الألمانية.
وعن قرار عودة الكثير من السورين إلى بلدهم تقول لمى إن "الكثير من العائلات السورية في الداخل تعتمد أساساً على ما يرسله ذويهم من ألمانيا لمساعدتهم في متطلباتهم"، وإن العودة تعدّ صعبة لمن "لن يجد بديلاً للعمل في بلده وقد استقر منذ سنوات هنا، إلى جانب عدم توفر منازل هناك، فجلها مدمرة بالكامل".
تقول أم حسان إنها تحب بلدها لكنّها لا تستطيع العودة
"ألمانيا أيضاً بلدنا"
ومن بين من اتخذوا الرحلة الخطرة قبل عقد من الزمن، كانت أم حسّان وزوجها وأبناؤها الخمسة.
ووصفت أم حسّان بحرقة قرار خروج عائلتها من بلدها، بسبب تهديدات طالتهم من قبل النظام السوري السابق، ما اضطرهم جميعاً إلى الهرب بحثاً عن ملجأ آمن لهم.
وقطعت أم حسّان وأطفالها الخمسة أحد عشر دولة لتصل كلاجئة إلى ألمانيا في آواخر عام 2015.
وتقول: "نحن هُجِّرنا ولم نُهاجر، تلقينا تهديدات بخطف أولادي من خلال رسائل كانت تصلني على هاتفي، إضافة إلى كوني مطلوبة إلى المخابرات".
وتضيف أم حسّان بألم أنهم عبروا البحر إلى أوروبا خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول البارد.
وتتذكر أم حسان أن الرحلة انطلقت في الرابعة فجراً حيث كان العديد من الشباب والعائلات ينتظرون دورهم لركوب القارب. وتصف: "ظننت أنها باخرة لكن في الواقع كان قارباً مطاطياً. لبسنا لباساً قد يحمينا من الغرق، إذ غرق الكثيرون في مثل هذه الرحلات".
وحينها، احتضنت أم حسان أطفالها "كان أكبرهم لا يتجاوز العشر سنوات، وكان الأمر متعباً"، كما تقول أم حسّان ودموعها تنهمر على وجهها.
ولدى وصولها إلى ألمانيا، لم تكن أم حسّان تعرف حتى الأبجدية الألمانية، لكنّها تعلمت واندمجت في المجتمع حتى صارت تعمل في مركز لمساعدة اللاجئين.
وعن قرار العودة إلى سوريا بعد سقوط حكم الأسد، تقول أم حسان إنها تحب بلدها لكنّها لا تستطيع العودة، فقد كبُر أطفالها في ألمانيا وترى أنّ مستقبلهم أفضل في هذا البلد.
وتضيف أنه "لا شيء يمكنه أن يُنسيني الطريق الذي قطعته وما عاشه أولادي خلاله".
وتقول أم حسّان إنه بعد حصول عائلتها على اللجوء الإنساني وحصول أبنائها على تعليم جيّد "وهذا ما تتمناه كل أم"، فالعودة ستكون صعبة، فــ"حياتهم أفضل هنا وأنا هنا حيث أولادي".
معظم الأحزاب الألمانية تهدد بترحيل السوريين إلى بلادهم بعد سقوط الأسد
ملف الهجرة والورقة الرابحة في الانتخابات
وأصبح ملف الهجرة هو الملف الرئيسي خلال تنافس الأحزاب في الانتخابات المبكرة الألمانية التي تُعقد في فبراير 2025.
وتنادي أحزاب بترحيل السوريين أو إعادتهم إلى بلادهم خاصة مع سقوط الأسد.
فقد دعا مرشح حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (مرشح التحالف المسيحي) المعارض فريدرتش ميرتس - وهو الأوفر حظاً لمنصب المستشار القادم - إلى وقف قبول لاجئين جدد من سوريا، كما صرح بأنّ على اللاجئين "غير القادرين على الاندماج" العودة إلى بلادهم.
وإثر التطورات في سوريا، علّقت الحكومة الألمانية 47,270 طلب لجوء لسوريين ينتظرون البت في طلباتهم.
بينما صرّحت مرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني، أليس فايدل، التي تحظى بدعم وتأييد إيلون ماسك، على وسائل التواصل الاجتماعي بأن أي شخص يحتفل بـ"سوريا حرّة"، لا يوجد لديه سبب للبقاء وأن "عليهم العودة لبلادهم فوراً".
وخلال العام الماضي سجّلت منظمات مدنية ارتفاعاً ملحوظاً في جرائم التمييز والكراهية ضد المهاجرين.
ويقول الناشط السياسي السوري سامر فهد إنّ المخاوف لدى السوريين في ألمانيا تتعلق بخطاب الكراهية الذي لا يمكنه "التمييز بين لاجئ أو مواطن تجنّس في ألمانيا".
وأضاف فهد أنه إذا وقع "عداء في الشارع أو ضد المهاجرين في مكان عمل، أو الدوائر الحكومية، فإن ذلك يعود لأن الشخص لديه لون بشرة مختلف" وهو ما يمكن أن يعرّضه لهذا الضرر.
وحذرت منظمة هيومان رايتس ووتش العام الماضي من "تقصير" الحكومة الألمانية في "حماية المسلمين أو الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون من العنصرية"، وسط تزايد حوادث الكراهية والتمييز.
وحصل ما يقرب من 200 ألف سوري على الجنسية الألمانية خلال الأعوام الماضية، وتعد مشاركة السوريين في سوق العمل أساسية في بعض القطاعات خاصة في القطاع الطبي الذي بلغ عدد الأطباء السوريين فيه، أكثر من 5 آلاف طبيب.