تستضيف العاصمة البريطانية لندن معرضا للمواد الدعائية الكوبية، من ملصقات ومجلات، التي تُظهر دعم الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو لحركات التحرر في أفريقيا أثناء الحرب الباردة.
وأُنتجت هذه المواد لصالح منظمة كاسترو لمساندة شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي أُسست بعد مؤتمر للقارات الثلاثة استضافته العاصمة الكوبية هافانا عام 1966، بهدف مواجهة الإمبريالية الأمريكية.
وتقول أوليفيا أحمد، أمينة المعرض، لـ بي بي سي إن المؤتمر "ضم وفودا مثلت عدداً كبيراً من الدول الأفريقية، من بينها حركات التحرر. وتوطدت علاقة كاسترو بالقليل من القادة الأفارقة، خاصة أميلكار كابرال من غينيا بيساو".
وقاد كابرال المقاومة ضد الاحتلال البرتغالي في غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، لكنه اغتيل عام 1973، قبل عام واحد من استقلال البلاد.
وتقول أحمد إنه تم التخطيط للمزيد من المؤتمرات الثلاثية، لكن لم يتسن تنفيذ أي منها. فأصبحت الأعمال الفنية التي تقدمها منظمة كاسترو هي الوسيلة الأهم للإبقاء على التواصل ومشاركة المعلومات. وكانت الملصقات تطبع وتوضع داخل مطبوعات المنظمة.
وتابعت: "ربما كان تشي جيفارا هو الأكثر تمثيلا في كل المطبوعات، كونه الوجه الثوري الأبرز في أمريكا اللاتينية".
"لكن ثمة مطبوعات تعيد الاحتفاء بالقادة الأفارقة بنفس الطريقة".
وكان جيفارا قد توجه إلى ما يُعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1965، في محاولة فاشلة لدعم الثورة ضد النظام الموالي للغرب، بعد أربع سنوات من اغتيال بطل الاستقلال الكونغولي باتريس لومومبا.
واتُهمت المخابرات الأمريكية والبريطانية باغتيال لومومبا، بعد أربعة أشهر فقط من انتخابه كأول رئيس وزراء ديمقراطي في البلاد.
وتقول أحمد إن سر أهمية الملصقات هو "تأثرها بالفن الشعبي الذي قد لا تتوقع رؤيته، فهم يحتفون بالشعوب بطريقة صادقة وأصيلة، بدلا من الأساليب الشعبوية الواقعية التجميلية".
ويحمل المعرض اسم "كوبا: فن الغرافيك في الحرب الباردة"، وشارك في تصميم المعروضات 33 مصمما، كثيرون منهم نساء، صنعوا كل هذه الصور المحملة بالمعاني.
فمثلا، أحد الملصقات عن غينيا بيساو، تظهر فيه امرأة تحمل بندقية آلية، من تصميم بيرتا أبيليندا فيرناندز، "وهي واحدة من النساء اللاتي صنعن عددا من التصميمات المميزة لمنظمة كاسترو" على حد وصف أحمد.
ومن أكثر المشاهد تكرارا، صور النساء وهن يحملن السلاح، بحيث يظهرن في دور نشط. كما أن مجلة المؤتمر الثلاثي "حوت الكثير من المساهمات النسائية والمقالات عن النساء، وكذلك على جبهة حرب الشوارع".
ولعب كاسترو دورا كبيرا في أنغولا، على عكس طبيعة العمليات السرية الكوبية في ستينيات القرن العشرين، إذ رأى أنها فرصة ليثبت وجوده في ساحة الدعم الدولي، لإحداث فرق على المستوى العالمي.
وقبل استقلال أنغولا عن البرتغال عام 1975، أرسل كاسترو صفوة القوات الخاصة، و35 ألف جندي، لدعم الحركة الشعبية لتحرير أنغولا الماركسية، والتصدي لقوات الفصل العنصري من جنوب أفريقيا التي كانت تحاول دعم الحركات الموالية للولايات المتحدة للوصول إلى الحكم.
وبحسب أليكس فاينز، من مركز شاتام هاوس، يُرَجح أن 4300 كوبي على الأقل قتلوا في الصراعات في أفريقيا، نصفهم في أنغولا وحدها حيث استمرت الحرب الأهلية حتى عام 2002.
وتقول أحمد إن الملصقات التي حملت رسائل الدعم لمقاتلي حركات التحرر "لجأت لاستخدام استعارات بصرية، أو رموز بصرية بسيطة".
وأضافت أن المصممين كانوا يميلون لكتابة تعليقات في أسفل الملصق بأربع لغات، هي الانجليزية والأسبانية والفرنسية والعربية "بحيث تصبح الرسالة عالمية قدر الإمكان، لأن الهدف منها كان الانتشار عالميا وليس مجرد نشرها داخل كوبا".
وأشرفت منظمة كاسترو على عملية نشر كبرى، استهلكت الكثير من الموارد. ويقول أوليفيو مارتينيز فييرا، مصمم حضر بدايات مؤسسة كاسترو، إن نقص المواد الخام تكرر كثيرا، ما اضطرهم للجوء لبعض الحيل المبتكرة.
وتقول أحمد إن فييرا يتحدث بإعجاب شديد عن هذه الفترة "وأن منظمة كاسترو كانت مساحة راعية للتجريب وحرية استخدام الاستعارات البصرية المباشرة، مثل التصميم الخاص بموزامبيق، والذي ظهر فيه نصل يمر من خلال يد".
وخصصت الكثير من الأعمال في منظمة كاسترو لمناهضة حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، والذي لم ينتهي حتى عام 1994، عند انتخاب نيلسون مانديلا، الزعيم المناهض لسياسات الفصل العنصري، لمنصب الرئيس.
وفي كتاب "ثورة كوبا في أمريكا" الذي ألفه تيشان لاتنر، يظهر إعلان ساخر للخطوط الجوية الجنوب أفريقية، نُشر في عدد يوليو/تموز-أغسطس/آب 1968 من مجلة المؤتمر الثلاثي، ويدعو الرسم المسافرين "لإجازة لا تُنسى في أرض الفصل العنصري، حيث يُذبح الأفارقة، وتعج السجون بالوطنيين الذين يحاربون التمييز العرقي الذي يمارسة البيض، وحيث يعمل الآلاف من السود كالعبيد في مناجم الذهب، وحيث تستخدم مساحات شاسعة من الأراضي كمعسكرات اعتقال".
وكانت الصور التي تنشرها منظمة كاسترو على نفس الدرجة من القسوة والمباشرة:
وعندما اعتقلت سلطات الفصل العنصري مانديلا عام 1964، حظرت على أي شخص نشر أي صورة له في جنوب أفريقيا. فخرج هذا الملصق عام 1989، قبل عام من إطلاق سراحه بعد 27 عاما في السجن.
وتقول أحمد إن أغلب الفنانين الذين صمموا الملصقات كانوا يعيشون في العاصمة الكوبية هافانا، واجتهدوا في فهم السياق السياسي للناس المحليين من خلال صور الصحافة.
وتابعت: "التصميمات جذابة من الناحية التصويرية... في محاولة لإظهار التعاطف عن طريق الرسائل الجيوسياسية. أعتقد أن أغلبها كانت فريدة من نوعها، والقليل منها قد يكون محل مسائلة".
ولم يتضح دائما الأساس التي قامت عليه بعض التصميمات التي احتوت على أعمال نحت. "وأعتقد أنهم كانوا يحاولون رؤية المعاناة المعاصرة من خلال التاريخ الطويل".
وأُغلقت منظمة كاسترو هذا العام، بعد أن أعلنت أنها أتمت مهمتها.
وتعتقد أحمد أن "سياق حركات التحرر هذه قد تغير كثيرا، وهو ما يفسر (إغلاق المنظمة)".
لكنها أثنت على تنوع إنتاج المنظمة، وقالت إنه مثير للإعجاب، هذا بجانب قدرتها على دمج الرسائل المعقدة بطريقة تفاعلية.
"كما أنه من المدهش رؤية طريقة تنفيذ الدعاية بمزيج من روح الدعابة والبساطة".
حقوق الصور مملوكة لـ منظمة كاسترو لمساندة شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، من مجموعة مايك ستانفيلد. و"بيت التصوير" في لندن.