كثيرون يكافحون وباء كورونا حول العالم، بعضهم في الخطوط الأمامية مثل الأطباء وأطقم التمريض وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي، وآخرون ربما لا يعرف دورهم كثيرون.
في مصر، كغيرها من الدول، تقف منظمات المجتمع المدني والجمعيات ذات الأنشطة الخيرية في صفوف من يكافحون الوباء، لكن ما الجهود التي يبذلها هؤلاء المتطوعون وما الصعوبات التي قد تقابلهم؟
"تشخيص وعلاج ووجبات غذائية"
تقول ميرفت رزق، رئيسة "مؤسسة إعمار زايد لتنمية المجتمع"، وهي إحدى المنظمات الأهلية بمحافظة الجيزة، إن منظمتها تسهم في مكافحة الوباء من خلال مساعدة المرضى عبر وسائل عديدة، وبدعم من فرق من أطباء وممرضين متطوعين، تنسق المؤسسة جهودهم.
وتقول: "نقدم وجبات طعام لمرضى كورونا الذين يخضعون للعزل المنزلي، وكذلك مواد تموينية جافة وعصائر وخلافه، وذلك بهدف تجنيبهم النزول إلى الشارع - هم وأفراد عائلاتهم - والاحتكاك بغيرهم ومن ثم مزيد من انتشار الوباء".
وتتلقى المؤسسة اتصالات من المرضى أو المشتبهين، فينتقل الفريق بكافة الاستعدادات من كمامات وقفازات وبذلات العزل والكحول وغير ذلك، ويجري التشخيص في المنزل وتقديم الأدوية لغير القادرين منهم.
وتضيف: "مرضى آخرون يرسلون لنا صورا من وصفات الأطباء الدوائية عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل الواتس آب، فنقوم بشراء الدواء وإرساله إليهم".
أنابيب الأكسجين
من أهم المساعدات في مكافحة كورونا توفير أنابيب الأكسجين، للمرضى الذين يعانون من انخفاض نسبة الأكسجين في الدم. وتعتبر أنابيب الأكسجين علاجا يحتاج إلى إشراف طبي.
وتقول ميرفت رزق: "نوزع أنابيب الأكسجين على المرضى المحتاجين في منازلهم، تحت إشراف أطباء متطوعين يقومون بتركيبها وتحديد الجرعات اللازمة، ويساعدهم في ذلك ممرضون يقومون بإعطاء الحقن وتركيب المحاليل وغير ذلك".
وتضيف: "نعمل أيضا على توفير خصومات كبيرة على أسعار التحاليل والأشعة، والفحوصات الطبية الأخرى للمرضى الذين يتواصلون معنا، وذلك بالتعاون مع عدد من المستشفيات الحكومية ومعامل التحاليل الحكومية والخاصة".
"استغلال التجار"
لكن هناك صعوبات جمة تواجه عمل المنظمات الأهلية في مكافحة كورونا، أهمها ارتفاع أسعار أنابيب الأكسجين وعدم توفرها.
وتتفاوت أحجام أنابيب الأكسجين حسب اللترات، فمنها ما يحتوى على ستة لترات وما يصل إلى 40 أو 50 لترا، كما يلزم لها أدوات أخرى منها المنظم والخرطوم على سبيل المثال.
وتقول ميرفت رزق: "نعاني لتوفير أنابيب الأكسجين. قبل الأزمة كان سعر الاسطوانه عبوة 40 أو 50 لتر يترواح بين 500 إلى 750 جنيها، أما الآن فقد اختلف الأمر تماما".
وتضيف: "كل مرة أشتري فيه أنابيب يختلف السعر. نعاني من جشع واستغلال التجار. في آخر مرة اشتريت أسطوانات ذات الحجم الكبير 40 أو 50 لتر بلغ سعر الواحدة 3600 جنيه، واليوم سألت التاجر فأبلغني أن السعر 5000 جنيه، ويزيد على ذلك أنها غير متوفرة".
"أما سعر جهاز قياس الأكسجين في الدم كان سابقا بنحو 250 جنيها، وبلغ سعره الآن نحو 1350 جنيها وغير متوفر أيضا".
وهناك أمر آخر يؤثر على عمل الجمعية وهو انخفاض حجم التبرعات المالية، في ظل جائحة الوباء.
وتقول ميرفت رزق: "من كان يتبرع بمبلغ ما سابقا أصبح الآن يتبرع بأقل من نصفه، وينطبق ذلك على التبرعات العينية من لحوم وأغذية وغير ذلك. لقد تأثر الجميع بالوباء. حتى رجال الأعمال بالكاد يستطيعون تحمل نفقات شركاتهم أو مصانعهم ومتطلباتها".
ارتفاع أسعار الأسطوانات أكده محمد إسماعيل، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية، وقال إن سعر أسطوانة الأكسجين ارتفع مؤخرا، من 1800 إلى 2800 جنيه ثم إلى 4000 جنيه.
وأرجع إسماعيل ذلك إلى زيادة الطلب، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار حديد البيليت، فضلا عن "اتجاه بعض المواطنين غير المحتاجين لشراء أسطوانات الأكسجين وتخزينها احتياطيا".
وطالب رئيس شعبة المستلزمات الطبية بعدم صرف الاسطوانات إلا تحت إشراف طبي.
نفس الصعوبات السالف ذكرها هي تقريبا ما يواجهه أعضاء "جمعية تنمية المجتمع بقرية بنى عدى القبلية" بمحافظة أسيوط، حسبما يقول محمود درويش عضو مجلس إدارة الجمعية.
ويضيف سامح العسيلي رئيس الجمعية صعوبة أخرى، وهي ارتفاع سعر عبوات الأكسجين الاصطناعي، ويقول: "كنا نملأ أنبوبة الأكسجين في بداية الوباء بمبلغ 20 جنيها، ومؤخرا وخلال الموجة الثانية أصبح السعر 34 جنيها، ثم زاد ليصبح اليوم 44 جنيها".
وتبعد قرية السيد العسيلي بنحو 60 كيلومترا تقريبا عن أقرب مصنع لتعبئة الأكسجين، ما يزيد من تكلفة ملء الأنابيب.
ويقول: "بسبب محدودية عدد أسطوانات الأكسجين وتزايد الطلب من المرضى، نضطر لملء الأنابيب التي تفرغ حتى لو كان عددها قليلا، ما يضطرنا لدفع تكلفة النقل مرات كثيرة، ما يمثل ضغطا ماليا على الجمعية التي تعتمد تماما على التبرعات".
"سلوكيات الأفراد"
تعدد ميرفت رزق رئيس مؤسسة إعمار زايد صعوبات أخرى تواجه عملها ترجع في أغلبها إلى سلوكيات الأفراد، وتقول: "بداية من الوجبات الغذائية التي نوزعها على المرضى نواجه صعوبات أو ربما مثبطات، فتجد بعض المرضى يعربون عن عدم رضائهم عن الوجبات، على الرغم من أننا نقدم وجبات وفقا للشروط الصحية والتغذية السليمة للمريض".
وتضيف: "أما فيما يتعلق بأسطوانات الأكسجين فالأمر أكثر خطورة، حيث نعاني من إعلانات وهمية عن توفر أنابيب ونفاجئ بأن شخصا ما يفعل ذلك رغبة في الإعلان عن مصنعه أو منتجه، والبعض الآخر يكون لديه أنابيب بالفعل لكن يعلن عن سعر غير حقيقي، وعند تنفيذ البيع تجده يفاوض على سعر أعلى بكثير مستغلا الأزمة".
وتقول ميرفت: "فقدان الأسطوانات أمر آخر، بمعنى أن بعض المرضى أو بعض أقاربهم يأخذون الأسطوانات ولا يرجعونها مرة أخرى. لقد فقدت 14 أسطوانة أكسجين".
وترجع ميرفت ذلك السلوك إلى "الطمع وانعدام الضمير، أو ربما الخوف من تكرار الإصابة بفيروس كورونا مرة أخرى".
"تدوير الأدوية"
من السلوكيات الأخرى التي اشتكى منها بعض نشطاء الجمعيات الخيرية ما يمكن تسميته "تدوير الأدوية"، وتقول ميرفت إن بعض الأشخاص يرسلون إلينا الروشتة (الوصفة الطبية) لأدوية كورونا زاعما أنه يعجز ماليا عن شرائها، فنقوم بشراء الدواء وإرساله إليه".
وتضيف: "لكني تلقيت تحذيرا مؤخرا من أحد الصيادلة الذين يتعاونون مع المؤسسة، من أن بعض الأشخاص يكررون هذا العمل عدة مرات، ليقوموا بعد ذلك ببيع الدواء بنصف الثمن لصيدليات أو أشخاص".
لكن السيدة ميرفت استطاعت أن تتغلب على هذه الحيلة أيضا، وذلك عبر تمزيق أغلفة عبوات الأدوية حتى لا يتمكن أي شخص من بيعها مرة أخرى.
وفي إحدى القرى في جنوب مصر، يقول مجدي عامر المدير التنفيذي لجمعية "رياض الصالحين" الخيرية، إن الصعوبة التي تواجه الجمعية تتركز في عملية توزيع مواد الوقاية، من كمامات ومطهرات، وغير ذلك.
ويقول: "مع منع التجمعات، أصبحنا مضطرين لتوزيع المساعدات على المنازل. لدينا نحو 400 حالة مسجلة، ومن ثم نضطر للمرور على 400 منزل لتوزيع تلك المواد، ما يزيد من عبء التكلفة المالية".
لكن عامر أشار إلى شيء مختلف عن سابقيه، وهو "عدم وجود حالات إصابة بالوباء في قريته"، وتقوم الجمعية بتقديم المساعدات لأبناء القرى المجاورة أيضا.
ويقول: "لا توجد حالات إصابة مؤكدة في قريتنا، وإذا وجدت فربما تكون نادرة وتعالج نفسها دون اللجوء إلى الجمعية، كما أن حالة الهلع التي صاحبت الموجة الأولى من الوباء قد تراجعت كثيرا".
وكانت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، قد أعلنت مؤخرا عن بدء الوزارة في "إرسال فرق صحية لمتابعة حالات العزل المنزلي للمصابين بفيروس كورونا"، وذلك بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، على أن "يتم تطبيق المبادرة على باقي المحافظات تدريجيا".
ووفقا للمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، خالد مجاهد، وصل إجمالي حالات الإصابة بكورونا في مصر، حتى يوم الأربعاء الماضي، إلى 152719 حالة، شفي من بينها أكثر من 120 ألفا، كما ارتفع إجمالي الوفيات إلى 8362 وفاة.
لكن شكوكا تثور حول الأرقام الرسمية المصرية بشأن حصيلة الإصابات، وقالت مديرة إدارة البرامج بمكتب منظمة الصحة العالمية في منطقة شرق المتوسط، رنا الحجة: "البيانات التي تصدرها وزارة الصحة المصرية، بشأن أعداد الوفيات والمصابين بفيروس كورونا المستجد، تحتاج للمراجعة".
ويرجع البعض ذلك إلى صعوبة تسجيل كل حالات الإصابة بالفيروس في عموم البلاد، أو أن بعض الناس يفضلون تلقي العلاج في مراكز صحية غير حكومية.