في الخامس من يونيو/حزيران 2018، استقبلت مراكز إصدار تراخيص القيادة في السعودية عشر نساء لإصدار وثائقهن.
وفي حين رأى الكثيرون حول العالم أن الخطوة تمثل إنجازا كبيرا ، زاد شغف بعض السعوديات بكرسي القيادة لا لقضاء حاجات يومية كالذهاب للعمل أو التسوق، بل للمنافسة في سباقات السيارات باسم المملكة.
وجاءت الفرصة لدانية عقيل ومشاعل العبيدان عندما بدأت المملكة في استضافة رالي داكار في يناير/كانون الثاني 2020، الذي كان فرصة لإعدادهما للتسابق باسم بلدهم.
من إدارة الأعمال إلى حلبة السباق
تشترك دانية ومشاعل - بجانب حبهما للسرعة - في تخصصهما المهني البعيد عن الرياضة. فدانية درست التاريخ والعلوم السياسية ثم إدارة الأعمال في انجلترا، وتعمل حاليا في شركة استشارات في السعودية، وكانت من المشاركين في تنظيم قمة العشرين التي استضافتها المملكة العام الماضي.
أما مشاعل فدرست إدارة الأعمال في السعودية قبل استكمال دراستها العليا في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وتعمل حاليا في وزارة الاستثمار السعودية.
وبالنسبة لهما، كانت هذه الدراسة هي أحد الأبواب التي مكنتهما من الاستثمار في موهبتهما والتدريب على السباقات. فدانية مثلا كانت تعيش في لندن، وتدرس في جامعة في الضواحي، "وكان ولعي بالسيارات شديد، حتى أن أول شيء فعلته بعد بلوغ السن القانونية للقيادة هو استخراج رخصة وشراء سيارة. ومجرد القيادة من وإلى الجامعة كان مصدر متعة شديدة بالنسبة لي."
وبالمثل، كانت مشاعل مولعة في طفولتها بألعاب مركبات السرعة وسيارات السباقات، واستخرجت أول رخصة قيادة من الولايات المتحدة عند بلوغها 18 عاما أثناء إحدى الإجازات هناك، "وكنت في أمريكا أقود لمسافات طويلة وأخرج في رحلات على الطرق حبا في القيادة." وعند استقرارها في كاليفورنيا للدراسة عام 2015، استخرجت رخصة لقيادة الدراجات النارية، التي كانت مدخلها إلى عالم السرعة.
"وفي كاليفورنيا، استأجرت جميع أنواع الدراجات النارية، وتعرفت على فرق تخرج في رحلات طويلة وتنظم سباقات. والتحقت بعدة مدارس للتدريب على السباقات والملاحة في التضاريس المختلفة."
أما تجربة دانية مع الدراجات النارية فبدأت في سن الثانية عشرة بقيادة الدراجات الترابية. لكن نقطة التحول الكبرى كانت في مارس/أذار 2019، عند تلقيها فرصة للتدريب في شركة الاستشارات التي تعمل بها حاليا في دبي. "وهناك، اشتريت دراجة نارية مخصصة للسباقات، وكنت أتدرب في حلبات السباق كل عطلة نهاية أسبوع، ثم حصلت على خطاب عدم ممانعة من السعودية لاجتياز الاختبارات في الإمارات، وبحلول سبتمبر/أيلول أنهيت برنامج التدريب وحصلت على الرخصة من الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية."
واشتركت دانية في عدة سباقات في الإمارات والبحرين، لكنها تعرضت لحادث في فبراير/شباط العام الماضي أدى إلى كسور في الحوض والعمود الفقري، واستمرت فترة التعافي أربعة أشهر. "وكانت هذه الفترة - على صعوبتها - فرصة للتفكير بهدوء وإعادة النظر في خططي واستعداداتي للسباقات. وتعلمت خلالها الكثير مما لا يتعلمه محبو السباقات في صخب الحياة العادية. وسجلت خبرتي في كتاب نشرته في هذه الفترة."
معايشة السباقات
رالي داكار هو سباق مركبات وسيارات في تضاريس وعرة، عُرف من قبل باسم "باريس داكار"، وأطلقته منظمة (أموري) الرياضية عام 1979، في خط سير من باريس إلى العاصمة السنغالية داكار.
وفي عام 2009، نُقل خط سير السباق إلى أمريكا الجنوبية ما بين تشيلي والأرجنتين. ثم حصلت المملكة العربية السعودية على حق تنظيمه بدءا من عام 2020 وحتى عام 2030.
ودُعيت دانية ومشاعل للمشاركة في النسخة الأولى من السباق في المملكة في يناير/كانون الثاني 2020، لمدة يومين فقط. وتقول مشاعل إنها خلال هذين اليومين تعرفت على متسابقة فرنسية تُدعى إيزابيلا، جلبت سيارتها من فرنسا وعرضت على الشابات السعوديات قيادتها للتجربة.
وفي نسخة هذا العام التي أقيمت في يناير/كانون الثاني الجاري، دعا الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية كلا من دانية ومشاعل للمشاركة في تنظيم السباق، كتجربة معايشة لأجواء السباقات تمهيدا لمشاركتهما العام المقبل.
تقول دانية إن هذه كانت فرصة عظيمة للتدريب حتى إن لم يكن تدريبا رسميا. وكانت تدير حسابات الاتحاد على مواقع التواصل الاجتماعي وتجمع المحتوى وتلتقط الصور للفرق والمشاركين في السباق، بجانب تقديم الفائزين في الجولات وحفل الختام.
"وتعلمت الكثير عن المناخ العام للسباق بتتبع تفاصيل المعسكرات وتحركات المشاركين. كما تعلمت الكثير عن قواعد وضوابط المعسكرات والسباقات لأن أحد أدواري كان شرحها للمشاركين. وبذلك يكون تركيز طاقتي بالكامل على التسابق العام المقبل."
واستقت دانيا الكثير من الخبرات خلال فترة السباق، "فأنا اجتماعية، أحب التحدث مع الناس وتبادل المعلومات. ومقابلة هذا العدد من المتسابقين وتجار السيارات والمنظمين وغيرهم كان فرصة لتعلم الكثير عن خبراتهم وعن السباقات."
وكانت مراقبة المتسابقين بالنسبة لمشاعل كاشفة عن الكثير من الأفكار والمشاعر المرتبطة بالسباقات، "فلحظة خلع المتسابقين للأقنعة بعد انتهاء السباقات كانت تكشف عن تفاصيل السباق على وجوههم، من مصاعب وتحديات وإحباطات وانتصارات."
ومن أبرز الخبرات التي اكتسبتها مشاعل كذلك كان مراقبة فرق الميكانيكا وصيانة السيارات، لتدرك أن السباق لا يتمحور حول المتسابقين فقط. "وأنا على دراية بأساسيات الميكانيكا، وأحرص على تعلم المزيد عن تفاصيل سيارات السباقات. وأحببت كثيرا السباقات التي خرجت بدون فرق ميكانيكا، ليقوم كل متسابق بصيانة سيارته بنفسه."
رياضة لا تعرف التمييز
ويتضمن سباق رالي داكار سبع فئات لمركبات مختلفة، وتنافس دانية ومشاعل في فئة المركبات الصحراوية الخفيفة SSV، بناء على نصائح المتسابقين المخضرمين.
وتقول دانية إن هذه الفئة من السيارات لها عدد من المميزات، "فهي غير مكلفة، وفرصة للتدريب لمن يخوضون السباق لأول مرة. وهي مناسبة كذلك في المراحل الأولى من تعلم الملاحة في السباقات والتعامل مع التضاريس القاسية المختلفة."
وبالنسبة لمشاعل، فالمشاركة في سباق بحجم رالي داكار واستكمال خط السير في حد ذاته نجاح "فأنا أعلم أنني ما زلت مبتدئة في منافسة بهذا الحجم، وأتحرك نحو هدفي خطوة بخطوة."
وتتفق دانية ومشاعل على أن سباقات السيارات رياضة لا تعرف التمييز، "أنا أقود ولا أبالي بغير ذلك، فالمركبة لا تميز في قيادتها بين رجل وامرأة، والفيصل هو المهارات والالتزام والحضور الذهني،" على حد قول دانية.
وترى كذلك أن كونها امرأة ربما كان ميزة في بعض المواقف "فعدد النساء في هذه الرياضة قليل، وكان الكثيرون يعرضون النصائح والدعم لزيادة مشاركة النساء."
وتقول مشاعل كذلك إن المجتمع تغير كثيرا، "جدي مثلا شديد التفاخر بي، ويكرر الثناء على ما أفعله في كل مناسبة. وربما جائني تعليق سلبي واحد وسط الكثير من مظاهر الدعم."
وأضافت أنها تتلقى الكثير من رسائل التشجيع من الشباب، والعديد من النساء اللاتي يتلمسن أولى خطواتهن في هذه الرياضة.
وتستعد دانية ومشاعل للمشاركة في سباق الشرقية في السعودية في مارس/أذار المقبل، في إطار الاستعداد لرالي داكار 2022. وتشمل الاستعدادات كذلك تدريبات للياقة البدنية، ونظام غذائي مكمل لهذه التدريبات.
وتكثف دانية من القراءة في علم النفس والصحة النفسية لتأهيل نفسها ذهنيا لبيئة المسابقات. "وسأقضي أكبر وقت ممكن خلف عجلة القيادة، وقررت شراء مركبة والتدريب عليها يوميا في الصحراء بمساعدة بعض الأصدقاء والمتسابقين السعوديين."
وساعدت المشاركة في رالي داكار هذا العام على تكوين شبكة علاقات لدعم التدريب المحلي، إذا تقول مشاعل إن الفرق السعودية تعرض المساعدة والدعم والتدريب غير الرسمي.
ويحتاج خوض السباقات إلى دعم مالي للمتسابقين عن طريق الرعاة وغيرها من سبل الدعم، وهو ما قد يعتبر تحديا للمبتدئين. لكن دانية لا تفكر في الأمور كتحديات بقدر ما تراها "مستجدات ومتغيرات يمكن التعامل معها للمضي نحو الهدف." في حين تراها مشاعل "عملية إجرائية" ضمن متطلبات المنافسة المختلفة ولن تمنعهن من المشاركة.
وتحول إجراءات حظر السفر المرتبطة بكورونا دون ذهاب المتسابقتين للتدريب في واحدة من مدارس السباقات في إسبانيا، لكنهما تأملان في الحصول على إذن للسفر لهذا الغرض.
شاركونا الرأي
كيف تدعم هذه التجربة النساء السعوديات لمشاركة أوسع في المنافسات الرياضية؟
هل تغيرت مجتمعاتكم في نظرتها لمشاركة النساء في الرياضات المختلفة؟
وللنساء، ما الرياضات التي تمارسنها وتسعين للمنافسة فيها؟