الآن وقد أصبح جو بايدن الرئيس الأميركي السادس والأربعين في تاريخ البلاد، بدأت الأسئلة تتوالى حول مدى قدرته على مواجهة تحديات داخلية وخارجية هي الأكبر في نوعها يجدها رئيس أمريكي جديد وهو يلج عتبة البيت الأبيض.
في خطاب تنصيبه، بعد أداء القسم أمام مبنى الكابيتول أتى على ذكر بعض منها، على رأسها إعادة الهدوء إلى البلاد والحفاظ على النسيج الاجتماعي الأمريكي من خلال "إلحاق الهزيمة بنزعة تفوق العرق الأبيض والإرهاب الداخلي".
وقبل الخوض في ترتيب الأولويات الداخلية والخارجية الكبرى من المقرر أن يشرع بايدن في غضون ساعات من تنصيبه بإصدار أوامر رئاسية عاجلة تبطل إجراءات اتخذها الرئيس السابق دونالد ترامب.
وستشمل هذه إلغاء مرسوم الهجرة المثير للجدل الذي يمنع رعايا دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة واعادة واشنطن إلى اتفاقية باريس للمناخ واستعادة عضوية واشنطن في منظمة الصحة العالمية وتعليق أعمال بناء جدار على حدود المكسيك وتمويله بموازنة من وزارة الدفاع الأميركية.
على المستوى الداخلي دعا الرئيس الجديد الأمريكيين الى المصالحة في ما بينهم. وسيتعين عليه الشروع فورا في توحيد البلاد ومعالجة الشروخ العرقية والاجتماعية التي خلفتها سياسة التفرقة التي انتهجها سلفه واجتثاث العنصرية المنهجية. ويعي بايدن عمق الجراح الاجتماعية وضرورة تضميدها للانصراف لإعادة بناء النسيج الاجتماعي المتصدع والمنقسم بين بيض وسود ولاتين. ويأمل الرئيس الجديد، عن طريق نائبته كامالا هاريس ذات الأصول الاسيوية، في حل قضايا العنصرية التي طفت الى السطح في عهد الرئيس ترامب.
وإذا كانت دعوة بايدن للأمريكيين الى التسامح ونبذ العنصرية فيما بينهم همه الكبير فإن المشكلة التي ستلازمه من أول يوم له في البيت الأبيض هي محاربة جائحة فيروس كورونا ووقف الخسائر البشرية والاقتصادية التي تخلفها وهي تجتاح البلاد طولا وعرضا.
وقد عين الرئيس الجديد خلية أزمة خاصة بفيروس كورونا تضم علماء وخبراء تبدأ عملها ابتداء من يوم تنصيبه. كما أعد استراتيجية وطنية لمكافحة الجائحة تشمل حملة فحوص على النطاق الوطني وسن إجبارية وضع الكمامات داخل المباني الفدرالية وعلى متن وسائل النقل العام بين الولايات، وتلقيح 100 مليون شخص ضد مرض كوفيد -19 خلال 100 يوم من توليه السلطة،
والى جانب محاصرة تفشي فيروس كورونا سيواجه بايدن التداعيات الاقتصادية للوباء. فمعدل البطالة في ارتفاع ونشاط الأعمال التجارية في تراجع وكذلك النمو الاقتصادي وفرص التوظيف. وتفيد إحصائيات أميركية أن عدد العاطلين تجاوز 11 مليون شخص حتى نهاية 2020.
أما أسواق المال فتتطلع إلى أن تضع الإدارة الجديدة الاضطرابات التي خلفتها تغريدات ترامب في الوقت نفسه ينتاب المستثمرين في الأسهم قلق على أرباحهم بسبب الضرائب التي أعلن الرئيس بايدن عنها أثناء حملته الانتخابية. وقد وضع بايدن خطة بقيمة 1.9 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد المتضرر من وباء فيروس كورونا.
على الصعيد الخارجي سبق بايدن أن صرح غداة الإعلان عن فوزه في الانتخابات: "لقد عادت أمريكا وهي مستعدة لقيادة العالم والجلوس في مقدمة الطاولة وليس للانسحاب منها... مستعدة لمواجهة خصومها وليس رفض حلفائها...". خارجيا تواجه إدارة بايدن تحديات الحد من التمدد التجاري والاقتصادي والتقني الصيني في الأسواق. كما أن روسيا اكتسبت قوة أكبر وأضحت لا تبالي بالرأي العام الدولي بعد أربع سنوات رأت فيها تلاشي النفوذ الأمريكي.
ولمواجهة الصين وروسيا أعلن بايدن عن نيته تعزيز تحالفه مع بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي والهند ودول النمور الآسيوية. لكنه سيضطر أولا إلى بناء المصداقية الامريكية عبر العالم.
وفي الشرق الأوسط يواجه بايدن مهمة ترتيب علاقات أمريكا بايران بعد العودة إلى الاتفاقية التي قيدت قدرات إيران النووية في حال التزمت طهران ببنودها. والسؤال الآن هل سيتمكن الطرفان من استعادة شيء من الثقة المفقودة بينهما؟
وبخصوص الصراع العربي الإسرائيلي القديم، هل سينشط الدور الأمريكي السابق مجددا في البحث عن حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فخلال السنوات الأربع الماضية انتكس وضع الفلسطينيين سياسيا واقتصاديا بسبب موقف الرئيس السابق الذي أغلق الممثلية الفلسطينية في واشنطن التي أوقفت دعمها المالي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ونقلت سفارتها في إسرائيل من تل ابيب الى القدس وأعلنت سيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
على غرار الحرس القديم في الحزب الديمقراطي، يعد بايدن داعماً مخلصاً، ومدافعاً قديماً عن إسرائيل، غير أنه من غير المرجح أن يتبنى سياسات إدارة ترامب تجاه الفلسطينيين إذ أن الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي- والذي صار بات له دور وموقف قوي على صعيد السياسة الخارجية يدفع باتجاه القيام بدور أكبر لحماية الحقوق الفلسطينية.
أوروبا وصفت حقبة بايدن بالفجر الجديد وموسكو أبدت رغبتها في تحسين العلاقات مع واشنطن وطهران تبدي مرونة. ثمة آمال في أن بايدن الذي يتمتع بخبرة سنوات في شؤون السياسة الخارجية سيعيد للدور الأمريكي أوجه في قيادة العالم نحو عالم اكثر استقرارا. فهل يستطيع؟ لننتظر القرارات الأولى التي ستصدر عن البيت الأبيض ابتداء من مساء يوم التنصيب؟
من أين سيبدأ بايدن مواجهة تحدياته الداخلية والخارجية؟
هل يستطيع بايدن إنهاء الانقسام السياسي والعرقي والطبقي الحاد في المجتمع الأمريكي؟
هل يعيد تنظيم علاقات واشنطن بكل من موسكو وبكين؟
هل يتمكن بايدن من قطع دابر تركة ترامب في السياسة الخارجية والداخلية الامريكية؟