كانت رحلة الحافلة الخضراء على الطريق الرئيسي السريع بين بنغازي وطرابلس هذا الأسبوع ثمرة تأخر قطافها لعملية سلام في طريق محفوف بالأشواك وكانت الأولى من نوعها منذ سنوات بين أكبر مدينتين في شرق ليبيا وغربها.
في الأسبوع الماضي، أعيد افتتاح الطريق الساحلي السريع بعد أشهر من المفاوضات في إطار اتفاق هدنة أبرم في أكتوبر، فيما ترتب عليه السماح لحركة المرور بالعبور عبر خط المواجهة الثابت وتفادي الالتفاف الخطر والطويل في منعطفات الصحراء.
وقال عطية بادي وهو راكب نزل من الحافلة في مدينة مصراتة في الغرب إنه لم يقابل أسرته منذ خمس سنوات.
لكن، رغم نافذة الأمل التي فتحها الطريق أمام السائق عبدالحميد الهمالي والركاب البالغ عددهم 35، تكشف الحقائق على الأرض تعثر العملية السياسية في ليبيا فيما تحاول شخصيات قوية استغلال الوضع لتحقيق المكاسب.
وقال بادي بعد رحلة طولها 800 كيلومتر عبر صحراء قاحلة مرورا ببلدات مازال القتال يترك أثره فيها «أتمنى ألا تعود معارك وتبقى مفتوحة حتى الناس تتواصل مع بعضها البعض».
وأصبحت أفضل فرصة للسلام منذ سنوات على المحك، بعد عقد كامل من الفوضى وأعمال العنف بعد الانتفاضة التي دعمها حلف الأطلسي ضد معمر القذافي وأفضت في نهاية المطاف إلى تقسيم ليبيا بين الفصائل المسلحة في الشرق والغرب.
وإذا أجهض حلم السلام فمن الممكن أن تعود ليبيا بسرعة للانقسام بين حكومتين متحاربين تدعمهما قوى أجنبية في الشرق والغرب.
وتسارعت وتيرة جهود السلام المدعومة من الأمم المتحدة العام الماضي في أعقاب فشل هجوم شنه الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر على مدى 14 شهرا للاستيلاء على طرابلس.
ورغم صمود وقف إطلاق النار تتعرض بعض شروطه الأساسية بما فيها انسحاب المقاتلين الأجانب للتجاهل. وكان من المقرر أصلا إعادة فتح الطريق الساحلي في العام الماضي.
وبعيدا عن عيون السائقين والركاب لايزال المرتزقة الأجانب المدججون بالسلاح في أماكنهم دون أي مؤشر لاتفاق على انسحابهم.
تركزت العملية السياسية في ليبيا على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة مقرها طرابلس، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر.
ووافق البرلمان المنقسم ومقره في الشرق على حكومة الوحدة مما دفع الإدارتين المتنافستين إلى تسليم السلطة بشكل سلمي. لكن البرلمان الذي انتخب في 2014 ويرأسه حليف لحفتر لم يوافق على ميزانيتها ولا على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.
ويعتقد منتقدو حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح أنهما يعرقلان العملية كي يضمنا استمرار هيمنتهما على المناطق الشرقية وتقويض حكومة الوحدة الوطنية. ويرفض حفتر وصالح هذه الاتهامات.
بدأ أنصار حفتر في حشد الدعم له لخوض انتخابات الرئاسة في ديسمبر. وبينما يخضع شرق ليبيا لسيطرة الجيش الوطني الليبي، يعتقد خصوم حفتر أنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة هناك.
ويقول محللون إن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس تستخدم عائدات النفط لشراء الدعم والتأييد. وقالت منظمة العفو الدولية الأسبوع الماضي إن أحدث اقتراح قدمته بخصوص الموازنة يشتمل على تمويل للجماعات المسلحة التي ظهرت إلى الوجود عام 2011 وأصبحت تسيطر الآن على مؤسسات رئيسية في الدولة.
في غضون ذلك، ظهر سيف الاسلام الذافي نجل الزعيم السابق، الشهر الماضي بعد عقد من الاختفاء ليقول لصحيفة نيويورك تايمز إنه سيرشح نفسه للرئاسة. كان ذلك دافعا وراء قيام السلطات التي تتخذ من طرابلس مقرا لها بتجديد مذكرة قديمة تتهمه بارتكاب جرائم حرب في القتال الذي اشتعل في 2011.
عندما كانت حافلة الهمالي تسير على الطريق مغادرة سرت المحطة الأخيرة قبل عبور جزء من الطريق السريع تم إعادة فتحه مؤخرا هذا الأسبوع، مرت الحافلة بلافتة على الطريق إلى طرابلس تملؤها ثقوب الرصاص كأنها رسالة تحذير لليبيين من أن وقف إطلاق النار لايزال هشا وعرضة للانهيار.