توزع الاهتمام العالمي بين مشهد الفوضى العارمة المحيطة بمطار كابول وعمليات الإجلاء الشاقة، ومحاولات المفاوضات الماراثونية التي تجريها حركة طالبان لتشكيل «حكومة جامعة».
ووصل الرجل الثاني في الحركة الملا عبد الغني برادر إلى كابول أمس لإجراء محادثات مع قياديين في الحركة ومسؤولين حكوميين سابقين وعلماء دين، حول الحكم الجديد في أفغانستان. وقال قيادي كبير في طالبان لوكالة فرانس برس، إن برادر «حضر إلى كابول للقاء قادة وسياسيين من أجل تشكيل حكومة جامعة» أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن حصولها على الشرعية الدولية سيكون ضمن شروط «قاسية وصعبة».
ويحظى برادر باحترام مختلف فصائل طالبان التي تصغي إليه. وقاد المفاوضات مع الأميركيين التي أدت إلى انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ثم محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية التي لم تأت بنتيجة.
وشوهد قادة آخرون من طالبان في العاصمة الأفغانية خلال الأيام الماضية بينهم خليل حقاني، أحد أهم المطلوبين في العالم الذي خصصت قبل الولايات المتحدة مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار مقابل معلومات تسمح باعتقاله.
ونشرت وسائل للتواصل الاجتماعي مؤيدة لطالبان صورا للقاء بين حقاني وقلب الدين حكمتيار الذي يعتبر أحد أشرس أمراء الحرب في البلاد.
مصير إقليم بانشير
وبالتزامن التقى الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبدالله عبدالله مع القائم بأعمال حاكم كابول من طالبان عبدالرحمن منصور. وقال عبدالله في منشور عبر «تويتر»، نقلته وكالة بلومبرغ للأنباء: «ناقشنا أمن مواطني كابول وقلنا مجددا ان حماية حياة ورخاء وكرامة مواطني العاصمة يجب أن تكون أولوية».
ودعا الحركة للعمل على العودة إلى الوضع الطبيعي في العاصمة كابول، وإشعار «مواطني العاصمة بالأمن والأمان». ونقل عن منصور أنه «سوف يبذل قصارى جهده من أجل أمن شعب كابول».
كما بحث عبدالله عبدالله مع شيوخ القبائل ورجال الدين وممثلي وقادة إقليم بانشير «التطورات الحالية فى البلاد وسبل دعم السلام والاستقرار»، وفق ما جاء فى تغريدة نشرها عبدالله على موقع «تويتر»، ما شكل بادرة ارتياح حول إمكانية تجنب حرب أهلية كان قد توعد بها أمر الله صالح نائب الرئيس السابق الذي توجه الى بانشير لتشكيل نواة مقاومة مع أحمد مسعود نجل الزعيم السابق أحمد شاه مسعود الملقب «أسد بانشير». ويأتي ذلك في إطار مباحثات بشأن مستقبل إقليم بانشير، الإقليم الوحيد في البلاد الذى لم يسقط فى أيدى طالبان، كما أنه لم يسقط حين حكمت البلاد بين عامي 1996و2001.
في الأثناء، تشارك طائرات من العالم بأسره في الجسر الجوي الذي يقوم منذ الأحد الماضي بإجلاء دبلوماسيين وأجانب ومدنيين أفغان من مطار كابول، في عمليات وصفها الرئيس الأميركي جو بايدن بأنها من بين «الأكثر صعوبة في التاريخ» ولا يمكن ضمان «نتيجتها النهائية».
وكان الازدحام شديدا في الطرق المؤدية إلى المطار، حيث تتجمع آلاف العائلات على أمل ركوب طائرة مغادرة بأعجوبة، وأمامهم كان جنود أميركيون ومجموعة من القوات الخاصة الأفغانية على أهبة الاستعداد لثنيهم عن اقتحام المكان، إضافة الى عناصر طالبان.
وأفاد طيار تشيكي عائد من كابول بأن الرحلات مع أفغانستان تجري في ظروف صعبة، بدون مراقبة جوية حقيقية وفي غياب إمكان الحصول على إمدادات الوقود ومع عمليات إقلاع محفوفة بالمخاطر.
وتعتزم الولايات المتحدة إجلاء أكثر من ثلاثين ألف أميركي ومدني أفغاني عبر قواعدها في الكويت وقطر، أخرجت منهم أكثر من 13 ألف شخص منذ 14 أغسطس.
فوضى عارمة وقال مسؤول في حلف شمال الأطلسي إن «عملية الإجلاء بطيئة لأنها محفوفة بالمخاطر لأننا لا نريد أي شكل من أشكال الاشتباكات مع أعضاء طالبان أو المدنيين خارج المطار».
وأضاف «لا نريد أن نبدأ لعبة إلقاء اللوم فيما يتعلق بخطة الإجلاء». وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ «هناك طائرات متاحة لتنفيذ عمليات الإجلاء أكثر من الركاب الجاهزين للصعود إليها، لأن السماح لهؤلاء الأشخاص بالوصول إلى المطار هو تحد يزداد صعوبة».
ووصف الوضع خارج مطار كابول، بأنه «رهيب وصعب للغاية»، فيما تضغط بعض الدول الأعضاء من أجل استمرار عمليات الإجلاء إلى ما بعد الموعد النهائي الذي حددته الولايات المتحدة والذي يحل في 31 أغسطس. ونشر الجيش الأميركي ثلاث مروحيات لإجلاء 169 أميركيا من فندق قريب من المطار، وفق ما أعلن البنتاغون أمس الأول، وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها الجيش الأميركي أنه قادر على الخروج من حرم المطار المحصن أمنيا لمساعدة أشخاص يريدون مغادرة البلاد. وكانت المجموعة التي تم إجلاؤها تعتزم التوجه سيرا إلى المطار لكن احتشاد أعداد كبيرة من المدنيين في محيط المنشأة حال دون ذلك.
من جهتها، أعلنت الحكومة البريطانية أنها أجلت 1615 شخصا بينهم 399 بريطانيا و320 موظفا دبلوماسيا و402 أفغان. ومنذ سيطرة الحركة على البلاد قبل اسبوع، أبلغ مواطنون أفغان وجماعات إغاثة دولية عن أعمال انتقامية قاسية في مواجهة الاحتجاجات واعتقال أولئك الذين شغلوا مناصب حكومية سابقا أو انتقدوا طالبان أو عملوا مع الأمريكيين.
و قال مسؤول في طالبان لرويترز، إن الحركة ستكون مسؤولة عن أفعالها وستحقق في تقارير عن ارتكاب أعضاء أعمالا انتقامية وفظائع.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن الحركة تخطط لإعداد نموذج جديد لحكم أفغانستان خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وقال «سمعنا عن ارتكاب بعض الفظائع والجرائم ضد المدنيين. لو كان (أعضاء) طالبان يفعلون هذه المشاكل المتعلقة بالقانون والنظام فسيتم التحقيق معهم». وأضاف «يمكننا تفهم حالة الذعر والتوتر والقلق. الناس يعتقدون أننا لن نخضع للمساءلة لكن هذه ليست الحقيقة».
وأكد أن «خبراء قانونيين ودينيين وخبراء في السياسة الخارجية في طالبان يهدفون إلى طرح إطار حكم جديد في الأسابيع القليلة المقبلة».
وقال المسؤول إن الإطار الجديد لحكم البلاد لن يكون ديمقراطيا بالتعريف الغربي لكنه «سيحمي حقوق الجميع».