واشنطن: لاتزال الأنظار تتجه إلى أفغانستان، وتراقب تصرفات حركة طالبان بعدما استولت على مقاليد السلطة في البلاد منتصف شهر أغسطس الماضي، حتى قبل استكمال القوات الأميركية انسحابها الكامل من البلاد.
والسؤال المطروح حاليا هو: هل ستصمد طالبان في حكم هذا البلد الذي لطالما مزقته الاضطرابات والحروب؟ وهل ستتمكن من الانتقال من حركة مقاتلة إلى نظام حاكم؟
وقال أروين راحي، المستشار السابق لحاكم ولاية بارفان الأفغانية في تحليل نشرته مجلة «ناشونال انترست» الأميركية، إنه يبدو أن حركة طالبان تسيطر بشكل كامل على الوضع في أفغانستان في الوقت الراهن. وقد يكون الهدوء الذي تشهده طالبان حاليا خارج وادي بانشير، حيث تستمر المقاومة ضد الحركة، هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، كما هي العادة في أفغانستان.
ويرى راحي أن التحديات التي ورثتها طالبان والأخطاء التي ارتكبتها الحركة خلال الشهر الماضي، قد قوضت شرعيتها، وستمثل حجر عثرة في طريقها لحكم أفغانستان، وبذلك سينتهي قريبا شهر العسل بالنسبة لطالبان.
وكان الخطأ الأول لطالبان، في رأي راحي، هو إطلاق سراح جميع السجناء بعد الاستيلاء على السجون ومراكز الاحتجاز التي كانت خاضعة لإدارة الحكومة السابقة في شتى أنحاء أفغانستان. ولو كانت طالبان أفرجت فقط عن أعضائها، لكان ذلك مبررا في سياق الصراع. ولكن لا يمكن بأي شكل تبرير قيام طالبان بإطلاق سراح الآلاف من المجرمين والإرهابيين المحترفين، مثل زعيم تنظيم داعش في خراسان، عمر فاروقي وغيره من أعضاء التنظيم. والآن، بعد أن أصبح عدد كبير من الإرهابيين المتطرفين الذين يشكلون تهديدا أمنيا كبيرا، مطلقي السراح، تثور الشكوك بشأن ما إذا كانت طالبان تملك القدرة على إعادة اعتقالهم، أو الإرادة لفعل ذلك.
أما الخطأ الثاني الذي ارتكبته طالبان فكان مهاجمة وادي بانشير بدلا من محاولة التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض مع المسلحين هناك. ولا يستوعب كثير من الأفغان لماذا يمكن لطالبان أن تتفاوض لمدة عامين مع الأميركيين ولا تطيق التفاوض لمدة أسبوعين مع مقاتلي بانشير. وعلى الرغم من أن حركة طالبان أعلنت انتصارها في بانشير، فإن الاحتفال بهذا النصر سابق لأوانه.
ولاتزال جبهة المقاومة الوطنية بقيادة أحمد مسعود، التي تقع في بانشير، وتعرف التضاريس جيدا، تحتفظ بالجبال، وإزاحة الجبهة مهمة ضخمة، ليس من المضمون نجاح طالبان فيها.
وإذا استمرت الجبهة في الصمود ضد الطالبان، من المرجح أن تمتد المقاومة إلى أجزاء أخرى من أفغانستان. وتفتقر طالبان إلى الدعم بين الجماعات العرقية غير البشتونية، مثل الطاجيك والأوزبك والهزاره والتركمان، الذين لا يهتمون كثيرا بالحكم الديني لطالبان ذات الغالبية البشتونية. وحتى الآن لم تفعل طالبان الكثير لإرضاء غير البشتون الذين يشكلون ما بين 55 و60% من سكان البلاد.
وكان الخطأ الثالث الذي ارتكبته طالبان، بحسب راحي، فهو السماح للجنرال فايز حميد، المدير العام للاستخبارات المشتركة بين الأجهزة في باكستان، بالظهور علنا في العاصمة الأفغانية كابول. ويشتبه الأفغان العاديون منذ فترة طويلة في أن طالبان تعمل من أجل تعزيز مصالح باكستان في البلاد.
وعلى الرغم من نفي باكستان وطالبان ذلك، أضرت زيارة حميد العلنية لأفغانستان بشدة بسمعة طالبان وأثارت تساؤلات خطيرة حول تأثير الاستخبارات الباكستانية على الحركة.
أما الخطأ الأخطر الذي ارتكبته طالبان حتى الآن فهو الإعلان عن تشكيل حكومة أحادية العرق تقريبا. وكان البشتون، الذين تتراوح نسبتهم بين 40 و45% من سكان أفغانستان، يشكلون أكثر من 90% من التعيينات الوزارية.
ورغم ذلك، أعلنت طالبان الثلاثاء بقية تشكيلة حكومتها لتصريف الأعمال، بتسمية 17 شخصية لمناصب حكومية بموجب مرسوم صدر عن قيادة الحركة. وشملت المناصب الجديدة تعيين شخصية من المقيمين في ولاية بانشير بشمال شرق البلاد قائما بأعمال وزير التجارة، واختيار نائب لوزارة الصحة من أقلية الهزارة. وكانت المجموعة الأولى من التعيينات التي أصدرتها الحركة أثارت انتقادات لعدم شمولها، حيث كانت الأغلبية من قيادات طالبان وقبيلة البشتون. ولكن لم تتضمن التعيينات في المرتين أي امرأة.
ولاسترضاء منتقدي الحركة من المحليين والأجانب، وصفت طالبان حكومتها بأنها مؤقتة، يفترض أن تحل محلها هيئة أكثر دواما في مرحلة ما في المستقبل.
وبالإضافة إلى أن حكومة طالبان أحادية العرق وتتمحور حول البشتون، يهيمن عليها تماما ما يسمى بالملالي، وهم شبه ملمين بالقراءة والكتابة. ومعظم أعضاء الحكومة لا يتمتعون بتعليم عال أو مهني، ناهيك عن التعليم ذي الصلة بحقائبهم الوزارية. وحتى مؤهلاتهم الدينية تبدو مشكوكا فيها لأن معظمهم لا يتحدثون العربية، وهي اللغة التي تتحدثها المدارس الدينية في أفغانستان وباكستان، وقد اضطروا إلى استخدام المترجمين الفوريين للتواصل مع مضيفيهم القطريين في الماضي.
وتراكم هذه الأخطاء تحديات كبيرة بوجه الحركة، فإعلانها تشكيل حكومة أحادية العرق لن يساعدها في السيطرة على الوضع الهش في أفغانستان. وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل الرغبة في مزيد من الحقوق والمشاركة في المجتمع التي يحتفظ بها الشباب الأفغان، ولاسيما النساء. ويمكن لطالبان اللجوء إلى العنف لقمع المعارضة في الوقت الراهن، ولكن القمع في أفغانستان غالبا ما يأتي بنتائج عكسية مع عواقب وخيمة على الطرف المعتدي.
ولطالما كانت أفغانستان دائما دولة ضعيفة، وهي الآن على شفا انهيار اقتصادي. فتجميد أصولها في الولايات المتحدة والانخفاض الحاد في المساعدات المالية الدولية، يؤثران سلبا على الأفغان العاديين. وفي ظل نفاد السيولة النقدية بالبنوك ولدى عدد كبير من الأفغان، أصبح حتى من كانوا ميسوري الحال في ظل حكومتي حامد كرزاي وأشرف غني يعانون من الضائقة المالية ويكافحون اقتصاديا.
وتفيد الأمم المتحدة بوجود أكثر من 10 آلاف مقاتل أجنبي في أفغانستان. وكان ذلك قبل أن تفرج طالبان عن مئات (أو ربما آلاف) من المقاتلين الإضافيين من السجون التي كانت تديرها الحكومة.
ويبدو أن رغبة طالبان في حكم أفغانستان بحكومة مركزية قوية مقرها كابول سوف تأتي بنتائج عكسية قريبا. ومن الناحية التاريخية، لم يكن للأفغان خارج كابول اعتبارا يذكر لأهل السلطة في العاصمة. فالأفغان أكثر ولاء لشيوخهم المحليين والإقليميين والقبليين، من الذين يجلسون على مقاعد السلطة في كابول، وبالتالي سيقاومون أي تغيير يفرض من أعلى إلى أسفل، يأتي من العاصمة. ويقول الكاتب إن حركة طالبان تسير في الاتجاه المعاكس، ومن ثم فهي تضع الأساس لزوالها.
ويبقى أن القتال العسكري الذي خاضته طالبان ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأفغان كان هو ما حافظ على تماسك الحركة، لكن مع انسحاب القوات الغربية، تفكك هذا التماسك وبدأت خلافات حادة تظهر داخل صفوف الحركة. ومن المرجح مع مرور الوقت، أن تزداد هوة هذه الخلافات الداخلية.