الذهب عادة ما يطلق عليه «الملاذ الآمن» أو الملجأ الذي يحتمي به المستثمرون في أوقات الأزمات وعدم الاستقرار، ومع وقوع أزمة جائحة «كورونا» والتي اتسمت بأنها أزمة من الصعب استيعاب محركاتها وكيفية الخروج منها ووقف الخسائر، لم يكن سهلا الجزم بأن استجابة الأصول ـ ومنها الذهب ـ سوف تكون بشكل يقيني كما تقول التجارب السابقة، بل على العكس قد تكون مختلفة عن الاحتمالات المرجحة.
أزمة 2020 مع جائحة كورونا تتسم بأنها أزمة صحية بالمقام الأول وليست اقتصادية مالية مثل أزمة 2008 التي ارتفع بعدها المعدن بـ170% مسجلا قمة تاريخية بحلول عام 2011، وفي بداية الجائحة تسرب للناس شعور بأن الأزمة ولأنها صحية ومع فيروس غامض وقاتل، فبالتالي المشكلة لن تنتهي بطباعة أموال كثيرة ولا بالتدخل الحكومي لأنها أكبر من قدرة الحكومات.
الإطار الزمني للقياس
بالإضافة إلى أنها أزمة صحية، فهي أزمة غير مفهومة في ذلك الوقت، صاحب ذلك حالة هلع تسببت في تخارج المستثمرين وتسييل كل شيء يملكونه سواء كان أسهما أو حتى ذهبا ومعادن، فهبطت أسعار كافة الأصول شاملة الذهب مع بداية الأزمة.
استمرت حالة الضغط التي شملت أغلب الأصول عدا الذهب، وهو ما شكل دعما للمعدن الأصفر بهذه المعنويات السلبية المحفزة للتحوط والتوجه للأصول الآمنة والتي تعتبر مخزنا للقيمة في أوقات القلق، فتماسك المعدن بداية من شهر أبريل وبدأ في الارتفاع من القاع الذي وصل له بسبب الفترة الأولية للجائحة وقت تسييل كافة الأصول، واستطاع أن يحقق قمما جديدة تاريخية مع تغذية الهلع العالمي بعدم التوصل إلى لقاح بعد حتى ذلك الوقت وهي الحالة التي امتدت بين أبريل وديسمبر.
تحسن أداء الأسواق المالية
لكن حالة الخوف والارتباك التي كانت في بداية الجائحة واستمرت لشهور أعطت زخما كبيرا للذهب الذي انطلق من قاع 1.472.35 دولار والذي تم تسجيله في 18 مارس 2020، إلى قمة 2.058.40 دولار والذي تم تسجيله في السادس من أغسطس من نفس العام، قبل أن ينزل عن هذه القمة وتبدأ حالة الخوف هذه في الانطفاء تدريجيا والخمود مع إعلانات عن بداية الوصول للقاحات، وعاد بعض من الهدوء والثقة والاستقرار إلى معنويات المستهلكين والمستثمرين، وهو ما انعكس سلبا على الذهب.
الفيدرالي والذهب
تدخل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في بداية الأزمة عبر عقد اجتماعات طارئة أولها في الثالث من مارس وثانيها في الخامس عشر من نفس الشهر للعام الماضي، أي في البداية المبكرة للجائحة، ساعد في دعم الاقتصاد وساهم في تهدئة جزء من القلق المستشري بالمجتمعات والقطاعات الاقتصادية بسبب الجائحة.
ونتيجة للعلاقة العكسية بين الذهب من ناحية وزيادة النقد الورقي من ناحية أخرى «المعروف أكاديميا بـ Fiat money»، أسفر تدخل الفيدرالي وبدء برنامج شراء الأصول «التيسير النقدي» عن ارتفاع قيمة الذهب بسبب ارتفاع الطلب عليه للتحوط ضد التضخم المتوقع نتيجة طبع النقود الورقية، والعكس يحدث حين يقرر الفيدرالي أن يخفف تدريجيا مشترياته الشهرية من الأصول البالغة 120 مليار دولار، حينها من المرجح أن ينخفض الطلب على الذهب كنتيجة حتمية لانخفاض الضغوط التضخيمة الناجمة عن ارتفاع المعروض من النقد.
الاستجابة ليست واحدة طوال الوقت
من ناحية أخرى، قد يكتسب الذهب بعض الزخم والدعم من عدة عوامل أبرزها تحور فيروس «كورونا» وخاصة «دلتا» الذي بدأ ينتشر بشكل كبير في الولايات المتحدة وعدة دول أخرى رئيسية في حركة استثمارات وتداولات الذهب، إضافة إلى ظهور بعض الأصوات في مجلس الفيدرالي الأميركي تنادي بضرورة بدء التفكير في تقليص التدخل والدعم الحكومي والتخفيف التدريجي لبرامج التيسير، ولذا فقرار الفيدرالي المنتظر يوم غد الأربعاء سيكون مؤثرا بدرجة معتبرة في حركة الذهب الفترة القادمة.
لكن ومع ذلك، ليس شرطا أن تكون استجابة الذهب لهذه العوامل مشابهة للحوادث السابقة ومتسقة معها بشكل يقيني ولا يمكن التأكد من ذلك قبل حدوثه، ذلك لأن الذهب ليس الملاذ الآمن الوحيد لو زاد انتشار المتحور «دلتا» أو خفف الفيدرالي من برنامج التيسير النقدي وخفض مشترياته من الأصول.
فهناك مؤثرات أخرى معاكسة قد تمنع تأثير هذه العوامل، وليس هناك ضمانة بثبات العوامل الأخرى كما تقول كتب الاقتصاد دائما، إضافة إلي أن هناك ملاذات آمنة منافسة للذهب مثل الدولار والين الياباني والفرنك السويسري وحتى السندات الأميركية.