- الهبات أولى أن تكون من حساب المال العام وليس من المؤسسة.. لعدم تضرر فئات أخرى
أصــدرت الـجـمــعــيــة الاقتصادية الكويتية بيانا بشأن العجز الاكتواري في التأمينات الاجتماعية وجلسة المتقاعدين، حيث قالت إنها آثرت على مر الظروف المتعاقبة مع أبناء الوطن من الاقتصاديين والمختصين إلى إطلاق صرخات للرفق بهذا الوطن، وسداد العجز الاكتواري كان من مطالب الجمعية في الكثير من المواقف السابقة.
وأشارت الجمعية في بيانها الى ان السياسة الحكومية على مدى سنوات سابقة كانت تتعامل مع الملفات الحساسة بسياسة التعويم، والهدف فقط عبور الاستجوابات الوقتية.
لذلك، لا نلوم المواطن الذي يؤمن بأن التوزيعات من أرباح التأمينات وصندوق الأجيال وغيرها هي حق مكتسب في ظل ما يراه ويعيشه بشكل دوري من فساد بلا حساب فاعل ولا رقابة حقيقية.
لذلك، نؤكد على ضرورة الإصلاحات الاقتصادية كاملة لاسيما الإصلاحات المعنية باستدامة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
وأضافت: بقدر ما نراه من حق مكتسب أن تتحسن الحالة المالية للإخوة المتقاعدين، إلا أن تحسين الحالة المالية لفئة مهمة في المجتمع كالأخوة المتقاعدين لا يجب أن يكون على حساب الاخوة المسجلين في هذه المؤسسة.
لذلك، من باب أولى أن تكون المكرمات والهبات من حساب المال العام وليس من المؤسسة حتى لا يكون منفعة فئة معينة تعني بمضرة فئة أخرى.
وتابع البيان: علينا أن نتوقف عن سياسة تبديد ثروة هذا الوطن، فهي ليست ملكية خاصة. فالوطن لا يبنى على الهبات، ومستقبل الأجيال القادمة أمانة تنتظر تسليمها للجيل القادم كما حافظ عليها من سبقكم، والعاقل هو من يتعظ من تقلبات الزمان.
وفيما يلي 5 نقاط أساسية حملها بيان الجمعية الاقتصادية الكويتية وذلك في ظل استشعارها لروح المسؤولية الوطنية.. وهي:
النقطة الأولى.. الدفاع عن المجتمع ورخائه
التأمينات الاجتماعية ما هي إلا وسيلة متقدمة من وسائل الدفاع عن المجتمع ورخائه من أي تدهور قد يلحق بمستوياته المعيشية، فهي ادخار منظم قانونا.
ومما يجعل إدارة أموال صندوق تقاعدي مختلفا، هو أن التعامل مع مدخرات أصحاب المعاشات التقاعدية واستقطاعات العاملين في القطاعيين العام والخاص يشكل تحديا أكثر دقة وحساسية من إدارة صندوق استثماري أو سيادي للدولة، حيث ان الأمر لا يتعلق بدور السياسة الاقتصادية للدولة، بل تتبع فرص عوائد ربحها متوسطة إلى بعيدة المدى.
هناك مسلمتان أساسيتان لمؤسسة التأمينات يتعين مراعاتهما: الأولى هي ضمان عيش كريم للمتقاعدين، من خلال ربط الزيادة السنوية على مخصصاتهم الشهرية لتعادل الزيادة في تكلفة المعيشة كما هو متبع عالميا، وجعل حد أدنى للمعاشات التقاعدية بناء على الدراسات الإحصائية للمعيشة في أي بلد.
والمسلمة الثانية والأهم، هي ضرورة طرح وتبني مبادرات وسياسات مبتكرة وجريئة تؤمن قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، استعدادا للعدد الضخم المتوقع دخوله إلى سوق العمل في السنوات القليلة القادمة.
الثانية.. الحفاظ على أموال الشعب
نعي أن في كل البرلمانات تقدم مشاريع هدفها كسب الولاء السياسي وأصوات الناخبين على حساب مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ولكن في كل البرلمانات هناك حكومة أقسمت على المحافظة على أموال الشعب ومصالحة، تقاتل بكل القنوات الدستورية لحماية المال العام من أن يكون أداة في الصراع السياسي الرخيص.
لذلك، موضوع إصلاحات التأمينات الاجتماعية يجب أن يكون أولى أولويات أي حكومة، ونستغرب من تجاهل الحكومات السابقة لهذه المؤسسة المهمة المعنية بالأمن النظامي للمواطنين جميعا سواء متقاعدون أو مسجلون، والتي أسسها أشخاص أفاضل تكنّ لهم الكويت كل الفضل والاحترام والتقدير.
ولذلك، نؤكد على حرص الجمعية الاقتصادية الكويتية على دعم أي مبادرة تهدف لإصلاح المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لما لها من أهمية اجتماعية لكافة أفراد المجتمع وأن ما تم تقديمه يعتبر بادرة في هذا الاتجاه ونتمنى خطوات إصلاحية أكثر لهذا الكيان الرائد في المنطقة.
ولهذا، نؤكد على أن الأخ وزير المالية عبدالوهاب الرشيد يحمل نفس همومنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية، وهذا ما نؤمن به بعد التدخل الحكومي لمعالجة العجز الاكتواري في أولى خطوات إصلاح لما تعتبره الجمعية كيانا له قيمة اجتماعية مهمة وواجب علينا إصلاحه.
الثالثة.. 619 ألف مستفيد من نظام التأمينات
بلغ عدد المؤمّن عليهم حتى مارس 2019 قرابة 382 ألفا، وبلغ عدد أصحاب المعاشات قرابة 149 ألفا، أما المستحقون من ورثة أصحاب المعاشات المتقاعدين فبلغ عددهم قرابة 88 ألفا، ليصبح الإجمالي قرابة 619 ألف فرد مستفيد من نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت. وبلغ إجمالي ما تم دفعه لمختلف المستحقين والمتقاعدين خلال السنوات الخمس الأخيرة وحتى ديسمبر عام 2019 قرابة 8 مليارات و44 مليون دينار. وحتى تكتب الاستمرارية لعمل مؤسسات التأمينات الاجتماعية وبسط تغطيتها التأمينية على شرائح أوسع، وبما يجابه الآثار الناشئة عن الأزمات والكوارث والحروب التي باتت أكثر تعقيدا بتطور الحياة نفسها، برزت الحاجة إلى تنويع مصدر دخل هذه المؤسسات من خلال توظيف أموال المشتركين في استثمارات طويلة الأمد تتبع أسلوبا حصيفا ومتحفظا منخفض المخاطر تعود نتائجه بالنفع على متانة نظام الرعاية الاجتماعية في الدولة. ومما يحدث الآن في أوساط المجتمع من آراء متباينة حول العجز الاكتواري من عدمه لزم علينا أن نكتب هذا البيان لتبيان الحقائق الاقتصادية ومدى جدوتها، وهذا كله مع الأسف في مجال ما هو متاح علنا كأرقام ومدى شفافية هذه الجهات. فالعجز الاكتواري بمفهومه المبسط هو «الناتج السلبي عند طرح قيمة جميع التزامات مؤسسة التأمينات تجاه المتقاعدين والمؤمن عليهم، من جميع البيانات المالية الخاصة بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ـ القيمة الحقيقية لموجوداتها واستثماراتها ـ عند نهاية يوم معين». ومما نملكه من تتبع للأرقام في ظل شح الشفافية ونقصها والتكتيم المخيف في الكويت، فإن آخر ما علمناه من مقرر لجنة الميزانيات في مجلس الأمة النائب السابق رياض العدساني، شافاه الله، أن «العجز قد تضاعف تقريبا في السنوات السابقة، ويرجع ذلك أساسا إلى انخفاض عوائد الاستثمار. ولأن العجز الاكتواري هو الفرق بين الالتزامات المستقبلية ومعدلات الدخل الجاري فلهذا ارتفع بين 9 مليارات دينار و17.4 مليار دينار في السنوات المالية الثلاث حتى مارس 2019.
ولهذا، تكمن أهمية الفحص الاكتواري لأنه يحتسب قدرة التأمينات على تلبية مدفوعات التزاماتها المستقبلية، وأن الزيادة في العجز نتجت بشكل رئيسي عن انخفاض حاد في عوائد الاستثمارات إلى 4% في سنة 2019 ـ 2018 من 5.7% في العام الذي سبقه. لذلك، فإن سداد الخزانة العامة للعجز الاكتواري يعد أمرا جيدا بعيدا عن الرأي السياسي في دستورية الجلسة من عدمها والذي نقدره. وليست هذه المرة الأولى التي تقوم الدولة بسداد العجز الاكتواري، حيث قامت الدولة في السابق بضخ مبالغ دعمت من خلالها المؤسسة لسداد العجز الاكتواري.
الرابعة.. الشفافية مفقودة
إن الشفافية المفقودة تؤدي إلى ضعف الرقابة، وضعف الرقابة يحتم سوء التشريع. لذلك، طالعتنا كثير من التقارير من جهات عالمية عملت على دراسات اكتوارية كأمثال منظمة العمل الدولية و«ميرسر» و«ميليمان» وغيرها، وكذلك الرقابية الكويتية كديوان المحاسبة بأرقام تنم عن تفاوت كبير في معدلات العجز الاكتواري من 2 مليار دينار إلى 19 مليارا في كل حالات التقييم المفتوحة والمغلقة (ولكل منهما حسابه الخاص والمعقد فنيا)، ومع تحفظنا على بعض الجهات التي تقيم هذه العجوزات المعقدة فنيا بدون مختص اكتواري.
لذا ما فعلته التأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للاستثمار قبل سنة من الآن كانت خطوة أولى محمودة في الشفافية وأثنى عليها الكثيرون، والآن نؤكد أن ما بدأتم به أصبح التزاما من منطلق العمل الجماعي والذي يتحلى بروح الشفافية، فإننا ننتظر نتائج عملكم الدؤوب في هذه المؤسسة الرائدة والتي لها أهمية كبيرة في النسيج الاجتماعي للكويت، مدركين تقلبات الأسواق العالمية والدورة الاقتصادية للاستثمارات.
وفي السياق نفسه، لم يكن العجز الاكتواري يوما حديثا للشارع العام وهما يتقاسم فيه المجتمع رأيه وأفكاره، ولكن الآن وبعد أن أصبح هو الشغل الشاغل للشارع فإننا نرسل عبر هذا البيان بدعوة مفتوحة للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بعقد ندوة عامة في الجمعية الاقتصادية الكويتية لشرح ما يدور من تساؤلات في الشارع الكويتي والتي لا يستطيع المختصون الإجابة عليها لشح المعلومات.
الخامسة.. معالجة العجز الاكتواري
عندما نتحدث عن جودة نظام التقاعد الكويتي، تتفاوت الآراء بين من يراه الأفضل في المنطقة، بل وفي العالم، ومن يرى عكس ذلك. ولا يمكن الاعتداد برأي دون سماع الآخر، فهنالك رأي يرى أن معالجة العجز الاكتواري هي الأولوية، ورأي آخر يؤمن بأن معالجة كفاية المعاش التقاعدي هي الأولوية.
ولا يمكن الجزم بصحة رأي أحد الطرفين في غياب منظومة شاملة ومتكاملة للتقييم، وصعوبة الحصول على بيانات ومعلومات موثوقة ومحدثة عن نظام التقاعد الكويتي في ظل عدم خضوع نظام المؤسسة التقاعدي للتقييم العالمي وفق مؤشر التقاعد العالمي (Global Pension Index)، المعمول به في كل من السعودية والإمارات. ويصدر هذا المؤشر سنويا منذ العام 2009 من قبل شركة «مرسر» المتخصصة في الاستثمار والتقاعد.
ومن أبرز فوائد مؤشر التقاعد العالمي أنه يقدم تقييما مستقلا ومهنيا، وبالتالي يساعد على حسم الكثير من الجدل حول جودة نظام التقاعد وحسن إدارته.
كما أنه يوفر معايير مشتركة يمكن من خلالها عقد المقارنات بين نظم التقاعد التي قد تختلف إلى حد بعيد في تفاصيلها.
ومن الفوائد المهمة تبيان فرص الإصلاح التي يمكن للقائمين على النظام التقاعدي اقتناصها لتحسين أدائهم، وإمكانية قياس مدى نجاح المبادرات التي يتم تبنيها من خلال قياس وتتبع أداء النظام التقاعدي سنويا.