في الفترة ما بين نهاية سبتمبر وأوائل أكتوبر عام 1990، شهدت مدينة بكين عاصمة الصين استضافة ناجحة للدورة الـ 11 للألعاب الآسيوية (الآسياد)، والتي تعتبر أول حدث رياضي دولي شامل تستضيفه الصين في تاريخها، ما اتسم بأهمية كبرى بالنسبة للصين التي كانت تعمل على مواصلة توسيع الانفتاح على الخارج وتسريع عجلة التنمية، وكان موضع اهتمام الحكومة الصينية وتطلع الشعب الصيني أجمع.
لكن مع اقتراب موعد افتتاح الآسياد، حيث كانت الأعمال التحضيرية بشتى جوانبها تجري على قدم وساق، ظهرت في الساحة الدولية بعض الأصوات المنطلقة من اعتبارات سياسية مخالفة للروح الرياضية، في محاولة لمقاطعة آسياد بكين، كما زعم بعض الأشخاص بأن الصين دولة فقيرة ومتخلفة، مشككين في قدرة الصين على استضافة الآسياد بسلاسة.
ومحيطا بهذه الظروف، أبدى رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي حينذاك الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح في العديد من المناسبات علنا دعمه وثقته بأن الصين ستستضيف الآسياد بنجاح.
وفي وجه الضجيج الذي أثارته القلة القليلة من الأشخاص الداعين لمقاطعة آسياد بكين، قال الشيخ فهد الأحمد الصباح إنه لن يتدخل في سياسة أي دولة، وهذه هي شؤونهم (الصين) الداخلية.
وردا على شكوك البعض، شدد الشيخ فهد الأحمد الصباح على أن المجلس الأولمبي الآسيوي لديه قناعة ليثق بأن جميع المشروعات الإنشائية سيتم إنجازها في الموعد المحدد له سابقا.
وخلال زيارته للصين في أغسطس عام 1989، أكد الشيخ فهد الأحمد بوضوح أن استضافة الآسياد من قبل الشعب الصيني من تطلعات شباب آسيا، وسيقدم المجلس الأولمبي الآسيوي دعمه الكامل للجهود الجبارة التي تبذلها اللجنة المنظمة لآسياد بكين، وسينجح آسياد بكين بكل تأكيد، وليس هناك سبب لعدم مشاركة أي دولة فيه.
وبالإضافة إلى الدعم السالف الذكر، فإن الشيخ فهد الأحمد كان مجتهدا في تحمل مسؤولياته، وسافر إلى الصين مرات عديدة للتأكد من الأعمال التحضيرية المعنية بآسياد بكين.
والجدير بالذكر أنه كان يطلب من الديبلوماسيين في السفارة الصينية في الكويت المساعدة على ترجمة الجمل الأخيرة في كلمته المقرر إلقاؤها في مراسم افتتاح الآسياد، ووضع علامات النطق بجانبها، حتى يتمرن عليها، وذلك لإبداء مشاعره الطيبة تجاه الشعب الصيني بلغته عندما يحين الوقت.
لكن كان من المؤسف اندلاع أزمة الغزو العراقي بشكل مفاجئ قبل افتتاح آسياد بكين بأقل من شهرين فقط، واستشهد الشيخ فهد الأحمد الصباح في القتال دفاعا عن الوطن والديار، وذلك ليس خسارة فادحة للكويت فحسب، بل فقدانا لا يعوض لآسياد بكين.
واليوم، لم ينس الشعب الصيني ولن ينسى هذا الشيخ الكويتي، وهو صديق وفي بالمسؤولية ومتسم بالروح العملية وحريص على الصداقة، قد سبق له أن قدم إسهامات مهمة لنجاح ترشح بكين لاستضافة الآسياد وإقامته.
وبعد اختتام آسياد بكين بنحو نصف عام، انتهت أزمة الغزو العراقي، غير أن أكثر من 700 بئر نفطي كانت تحترق بسبب التفجيرات أو الإشعال عمدا، الأمر الذي لم يؤد إلى تلوث شديد فقط، بل يعرقل عملية إعادة الإعمار في الكويت أيضا.
وفي 21 مارس 1991، قام وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك عبدالرحمن العوضي بزيارة للصين. وخلال لقاءين عقدا معه، فإن فخامة الرئيس الصيني يانغ شانغ كون وسيادة رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) الصيني لي بينغ أكدا كل على حدة وبشكل جلي أن الصين ستبذل جهودها لمساعدة الشعب الكويتي على إعادة بناء الديار.
وفي اليوم التالي مباشرة، بعث الجانب الصيني فريقا متقدما مكونا من 7 خبراء من مؤسسة البترول الوطنية الصينية ليسافر إلى الكويت على متن الطائرة الخاصة لمعالي الوزير عبدالرحمن العوضي للاستطلاع في الكويت.
وفي يوم 14 يوليو من العام نفسه، وقعت حكومتا البلدين على اتفاقية إخماد الحرائق رسميا، وأرسل الجانب الصيني معدات إخماد الحرائق فورا وشكل فريقا مكونا من 62 خبيرا وكادرا ماهرا، وبعد وصوله إلى الكويت فجر 23 أغسطس من العام ذاته، بدأ الفريق في إخماد الحرائق فورا دون تأخر.
وفي مواجهة بيئة العمل الصعبة والخطيرة، التي تسودها الحرارة العالية المرهقة وانتشار الهواء الملوث بالمواد السامة واحتمال وجود ألغام لم يتم إخلاؤها، كافح أعضاء الفريق بشجاعة وبسالة، ولم يتقهقروا حتى ولو أصيب بعضهم بحروق شديدة.
وفي شهرين قصيرين فقط، نجح الفريق الصيني في إخماد حرائق 10 آبار نفطية يتدفق من كل منها يوميا أكثر من 10 آلاف طن من النفط الخام. وفي هذا السياق، قال المسؤول الكويتي الذي كان يترأس عملية إخماد الحرائق إن الفريق الصيني ماهر ومنظم وذو أداء رائع.
كما أنه خلال الزيارة التي قام بها سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله للصين فيما بعد، أعرب سموه للقيادة الصينية خصيصا عن الشكر الجزيل لجهود وإسهامات الفريق الصيني لإخماد الحرائق.
واليوم، استقبلت الكويت مرحلة مهمة حافلة بآفاق السلام والتنمية، حيث يقود سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح شعبه في الكفاح وراء تحقيق «رؤية الكويت 2035»، بينما يتقدم الشعب الصيني إلى تحقيق الهدف المئوي الثاني تحت قيادة فخامة الرئيس الصيني شي جينبينغ، في حين وفر الهدف المشترك للبلدين والمتمثل في السعي إلى تعزيز رفاهية الشعب فرصا جديدة للتعاون بينهما في العصر الجديد.
وكما أشار فخامة الرئيس الصيني شي جينبينغ فإن الجانب الصيني يتخذ الكويت دوما شريك تعاون مهما لبناء «الحزام والطريق» في الخليج، ويستعد الجانب الصيني لترشيح الشركات الصينية ذات القدرة والكفاءة للمشاركة النشطة في بناء التنوع الاقتصادي في الكويت.