من باب رد العرفان والجميل، وفي خطوة متوقعة، هب الكويتيون بتقديم برقيات التعزية للولايات المتحدة الأميركية، منها ما ذهب الى الرئيس باراك أوباما، ومنها الى الرئيس السابق بوش الأب، الذي كان يصدر أوامره إلى الجنرال نورمان شوارزكوف لتحرير الكويت من قبضة نظام صدام حسين.
وفاة قائد «عاصفة الصحراء» الجنرال الأميركي، لم تعبر من دون أن تلقي بظلالها على الجالية الكويتية في الولايات المتحدة، والتي تقدر بنحو ثلاثة آلاف، معظمها من الطلبة، باستثناء عدد من المرضى يتلقون العلاج في المستشفيات الأميركية، اذ ساد الجميع حزن عميق على رحيله عن عمر يناهز 78 عاما في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا، التي اتخذها مقرا له بعد تقاعده من الجيش.
يقول مبارك بورسلي الطالب في جامعة كنتاكي لـ«إيلاف»: «لقد رحل الجنرال المتقاعد نورمان شوارزكوف قائد القوات المركزية الأميركية، فهو بطل، وله الفضل بعد الله في تحرير بلدي الكويت من الاحتلال الصدامي الغاشم، ولنا أن ننعى رحيله، لكونه وضع خططه العسكرية بمهنية واحتراف الى حين أجبر العدوان على التقهقر والتراجع».
جاءت وفاة المسؤول العسكري الأميركي لتنكأ مجددا جراحا غائرة في قلوب الكويتيين، الذين يقيمون في الولايات المتحدة. ويتحدث الطالب علي الصايغ، الذي سافر للولايات المتحدة الأميركية لدراسة الهندسة المعمارية في جامعة كنساس، لـ«إيلاف» قائلا ان «نبأ رحيل شوارزكوف ذكرني بمشاهد حزينة عندما تم احتلال الكويت، حيث كنت صغيرا في السن، واتذكر ولو بشكل بسيط معاناة الوالد، الذي تم أسره في سجن أبوغريب لمدة شهرين، وتعرض للتعذيب المبرح حتى اصابته باعاقة سمعية من شدة الممارسات الوحشية».
ويقترح الصايغ «ان يتم تكريم الجنرال المتقاعد نورمان شوارزكوف قائد القوات المركزية الأميركية، الذي نجح في دفع العدوان عن الأراضي الكويتية الحبيبة، وأزال عنها عذابات حزينة للغاية». شديدة هي آلام الغزو الصدامي للكويت لدى أبناء الجالية الكويتية في أميركا، والتي برزت على السطح فور اعلان وفاة شوارزكوف، لكنها أشد ايلاما من تلك المتعلقة بمنصور عبدالعزيز، طالب الدكتوراه في علم الحاسوب في جامعة جورج ميسن، حيث فقد اثنين من أقربائه. يقول: «ما ان سمعت خبر وفاة الجنرال شوارزكوف حتى تذكرت أيام الغزو الحزينة، حينها كان عمري تسع سنوات، ولا أزال أتذكر جيدا حجم دمار احتلال جيش صدام حسين الغاشم، الذي لحق ببلدي الكويت، فقد خسرنا شهداء، من بينهم ابن خالتي، حيث تم أسره، ولم يرجع، واحتسبناه شهيدا، وكذلك ابن عم والدي الذي استشهد وهو يقاوم، وقدم دمه فداء للوطن».
يدرك منصور عبدالعزيز جيدا أن الاحتلال في العام 1990 ما كان لو لم تكن ثمة خطة أميركية قدمت الكويت الى صدام حسين كطعم وقع فيه لشدة غبائه، لكنه يستدرك قائلا: «فعليا ان الله وحده وبعده خطط الجنرال المتقاعد نورمان شوارزكوف لهما الفضل في تحرير الكويت من يد الطاغية صدام حسين».
على الرغم من أن متوسط أعمار الطلبة الكويتيين في الولايات المتحدة لا يتجاوز الـ23 عاما، أي انهم لم يعاصروا الحقبة الزمنية التي غزا فيها صدام حسين الكويت، لكن معظمهم تناقلوا القصص المروعة من آبائهم، ومن بينهم عبدالرحمن المطيري، الطالب في جامعة شمال كنتاكي، تخصص محاسبة، والذي ولد ليلة الغزو في احد المستشفيات السعودية، حيث نجحت والدته في الهروب من قبضة قوات صدام حسين.
ويقول: «خبر رحيل الجنرال عاد بي ليس الى أيام الغزو المريرة التي لم أشاهدها، بل الى ترداد الأحاديث مع الوالدين والأقرباء عن ظروف ولادتي، كيف تمت في أجواء صعبة، بعد قطع عشرات الكيلومترات نحو السعودية من أجل حصول أمي على ولادة طبيعية بعيدة عن آلات العدوان الغاشم». محمد نقي، الذي يدرس جيولوجيا في جامعة ماينز، من جيل أترابه الذين لم يبصروا النور عندما اجتاح صدام حسين حدوده الجنوبية في اتجاه الكويت يوم 2 أغسطس من العام 1990م، وسمع فقط من أهله عن ويلات الحروب، يقول «انا لم أطلع على تلك الحقبة الزمنية، لكن الأهل حدثوني عنها كثيرا، وعن مآسيها، لكن لاشك أن من قاموا بتحرير بلدي، وفي مقدمتهم شوارزكوف، يعدون من الأبطال الذين أزالوا هم الاحتلال الصدامي».