تمكنت روسيا من استخدام ورقة الطاقة في ضغطها الاقتصادي على موارد الغرب بفضل استمرار التخادم النفطي الخليجي/الروسي (اتفاق أوپيك+) مما تسبب بضرر عميق على حسابات الولايات المتحدة النفطية نتيجة هذا التخادم الذي أفقدها ولأول مرة قدرتها على فرض سياساتها النفطية على الأسواق العالمية منذ الحظر النفطي الذي فرضه الملك فيصل رحمه الله إثر حرب أكتوبر 1973م، علما بأن الضرر الذي يلوك مرارته اليوم المحور الغربي (أميركا وتوابعها) نتيجة التخادم النفطي الخليجي/الروسي، لا يقل عن الضرر الذي لاكت مرارته الولايات المتحدة ودول الغرب أثناء قراري الحظر النفطي في (67م و73م)، بل وقد يكون الضرر الاقتصادي والاستراتيجي اليوم اكبر عليهم حتى من ضرر الحظر النفطي آنذاك.
وبناء على ذلك، فإني أنصح القائمين على منظمة
«أوپيك» عموما بالتوصية لاتخاذ سياسات نفطية منسقة بعد تاريخ 9 مايو 2022م على أساس أكثر مرونة من ناحية تعزيز وفرة المعروض النفطي في الأسواق العالمية لمدة 4 أو 3 شهور فقط، ثم معاودة الضغط على وفرة معروض الطاقة ابتداء من سبتمبر وحتى انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر، وذلك لإضعاف حظوظ الديموقراطيين وتعزيز حظوظ الجمهوريين في الحصول على أغلبية مقاعد الكونغرس الأميركي، وهو الأمر الذي سيساعدنا عموما في الخليج على تأخير عقد الاتفاق النووي الأميركي - الإيراني مقابل ضخ الطاقة وتأجيل انعقاده بقدر المستطاع لما بعد الانتخابات النصفية، ثم تقييد يد بايدن فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران عند لعب المناورة النفطية الثانية بالضغط على أسعار الطاقة قبل الانتخابات النصفية بشهرين لتعزيز فرص وصول أغلبية جمهورية ترفض اعتماد الاتفاق النووي.
وعلى الجانب الآخر ستتفهم عقلية الروس بعد انقضاء جانب أساسي من اتفاق أوپيك+ في شهر مايو المقبل، توجهنا الخليجي ودوافعنا المبررة إزاء زيادة الإنتاج وتعزيز وفرة المعروض، وسيقدروا التزامنا السابق معهم لعدة اشهر واستمرارنا معهم حتى بعد نشوب الحرب الأوكرانية من منطلق التمسك باتفاق (أوپيك+).
سيساعد رفع الإنتاج لمدة ثلاثة إلى أربعة شهور ابتداء من منتصف شهر مايو على وضعنا كدول خليجية في منطقة الحياد بين المحورين الدوليين الفاعلين في الوقت الحالي، وسيخفف الضغط علينا ويعطينا مساحة اكثر مأمونية في تعاملاتنا الدولية الضرورية مع عموم دول المحور الغربي.
المهم أن ننجح قبل ذلك باقتناص بعض المكتسبات الأمنية والاستراتيجية سواء بشكل فوري أو بصيغة تعهدات من إدارة بايدن الأميركية، وبنفس الوقت مهم أن يتم تبرير عدم تمديد جزئية حصص الإنتاج المحددة في اتفاق أوپيك+ أو تعليق العمل بها مؤقتا (3 شهور) لدى الروس لتثبيت أرجلنا في منطقة الحياد، كما من المهم أن نضاعف كمية مشترياتنا من الأسلحة الروسية بعد اتجاهنا نحو رفع المعروض النفطي (زيادة الإنتاج)، وكذلك سيكون مفيد إيجاد مجالات من التعاون الخليجي - الروسي الداعمة للاقتصاد الروسي والمعززة لمالية الروس بشكل خاص بأي طريقة غير «خفض الإنتاج» لتخفيف آثار الضغط المالي الذي سيتعرضون له بشكل تلقائي بعد رفعنا لمستوى إنتاجاتنا النفطي.
وأخيرا: أدعي أن التوصية برفع الإنتاج لمدة ثلاثة شهور إلى أربعة شهور ثم معاودة خفض الإنتاج لمدة شهرين للضغط على أسعار الطاقة قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي وإضعاف حظوظ الديموقراطيين، توصية تعرضت لتمحيص دقيق، وهي نتاج لقراءة تحليلية حسبت معظم إن لم يكن كل ما يمكن حصوله سلبا وإيجابا بهذا الخصوص، وجدير بالذكر أن (رفع الإنتاج) يجب ألا يصل إلى الحد الذي ينخفض معه سعر برميل النفط عن 75 دولارا في أسوأ الأحوال، بمعنى نرفع الإنتاج ونخفض الأسعار ولكن إلى الحدود التي لا ترتفع بها كميات المعروض إلى المستوى الذي ينخفض نتيجته سعر البرميل لما دون الـ 75 دولارا، فليكن هذا حدنا الأدنى المعقول والمقبول من كل الأطراف لمدة ثلاثة إلى أربعة شهور.