كان امتداد فترة الحرب الروسية/الأوكرانية بالنمط الذي سبق الهجوم الاوكراني المضاد والناجح على خاركيف وخيرسون ، يكلف الاتحاد الأوروبي أكثر بكثير مما يكلف الروس، لأن تدخل الروس العسكري كان تدخلاً محدوداً والعمليات العسكرية كانت كذلك محدودة وخطوط الالتماس محدودة ومحكومة وبالتالي التكاليف المادية والبشرية والعسكرية بالتبعية محدودة ، أما الآن وبعد اعلان الروس للتعبئة العامة الجزئية فإن التكاليف المادية والبشرية والعسكرية سترتفع بشكل تلقائي لأن خط التماس الروسي مع الأوكراني قد اتسع بعد الهجوم الأوكراني المضاد، والذي قد نجح لأنه وسع خطوط التماس مع الروس بشكل لا يمكن للقوات الروسية الموجودة على الارض في اوكرانيا أن تحكمه، لذلك قامت روسيا بالتعبئة العامة الجزئية بهدف معالجة هذا النقص على خطوط التماس ، وهذه المعادلة الجديدة على الأرض سترفع التكاليف على روسيا وتجعلها في موقع الضغط المادي بشكل اكبر من الضغط المادي الذي كان يتعرض له الاتحاد الأوروبي ، سيجعل الموقف التفاوضي لدول الناتو أقوى من الموقف التفاوضي الروسي (ما لم يتمكن الروس من السيطرة على التكاليف عبر تحجيم خطوط التماس) لذلك لجأ الروس إلى تكتيك تحويل دونباس و خيرسون لمناطق روسية بشكل رسمي عبر الاستفتاءات الشكلية، وذلك حتى يُعطوا أراضيها التي سيطروا عليها ميزة الاستفادة من معادلة الردع النووي الروسية، فيحصّنوا خيرسون ودونباس من أي هجمات عسكرية أوكرانية مضادة ويمنعوا الغرب من إدارة أي هجمات أوكرانية مباشرة على الأراضي التي ستعلن روسيا انها أراضٍ روسية وتتمتع بنفس الحقوق الردعية التي تعطيها العقيدة النووية الروسية لباقي الجغرافيا الروسية ، وبذلك تكون خطوة ضم دونباس وخيرسون رسمياً لروسيا هدفها الاساسي تحجيم خطوط التماس الروسية مع القوات الاوكرانية المدعومة من الناتو لتقليل التكاليف المادية والبشرية والعسكرية إلى حدودها الدنيا في هذه المرحلة، وفي حال نجاح هذه الاستراتيجية الروسية بإخضاع الاوكران والناتو لمعادلة (الردع النووي الروسية لحماية الجغرافيا) والتي ستطبقها روسيا على اراضي خيرسون ودونباس، عندها ستكون التكلفة المادية التي يتكبدها الاتحاد الأوروبي والناتو يومياً من استمرار الحرب الاوكرانية، اكبر من التكاليف المادية التي تتكبدها روسيا منفردة نتيجة استمرار الحرب، حيث بعد ضم دونباس وخيرسون، ستحرص روسيا على تخفيض معدل عملياتها العسكرية في باقي الاراضي الاوكرانية لمدة ثلاثة شهور على الأقل ، وذلك حتى تنتهي روسيا من تجهيز وتدريب القوات التي اعلنت مؤخراً تعبئتها " 300,000 جندي" وخلال هذه الثلاثة اشهر تكون موسكو قد ضمنت استقرار سيطرتها على الأراضي الاوكرانية التي تخضع لها الآن دونما أي حاجة الى قتال تقليدي على الارض يردع الهجمات الاوكرانية المضادة، وبالتالي تكون التكاليف المادية على الروس محدودة ومحكومة.
وخلال هذه الأثناء سيستمر الضغط الروسي على موارد الطاقة والحبوب بشكل يضيّق على دول الاتحاد الأوروبي مواردهم ويكبدهم خسائر اقتصادية بالتبعية اكبر من تلك التي سيتكبدها الروس خلال الأشهر الثلاثة القادمة والتي كما ذكرنا أن الروس يهدفون لجعلها أشهر خاملة عسكرية وغير نشطة ومحدودة جدا.
بهذا الشكل فقط سيكون الموقف التفاوضي الروسي اقوى من الموقف التفاوضي الغربي، وبعد ثلاثة شهور تكون القوات الروسية التي تمت تعبئتها مؤخراً قد استعدت وتجهزت للدخول في القتال، عندها وفي منتصف الشتاء سيُطلق الروس عمليات عسكرية توسعية في اوكرانيا، ستستهدف موسكو في "عملياتها العسكرية التوسعية" التي ستطلقها في الشتاء، السيطرة على ميكولايف واوديسا وذلك لتحويل اوكرانيا الى دولة حبيسة وغير مطلة على أي شريط ساحلي، ليطبقوا ما يسمى بـ(استراتيجية الأنكودا) حيث تعتبر القيادة الروسية تطبيقها في الوقت الحالي عبر السيطرة على كامل الشريط الساحلي الأوكراني، هدفاً جيو-استراتيجيا رئيسياً لكل أنشطة العمليات العسكرية الروسية في اوكرانيا، وفي حال نجح الروس بتحقيق اهدافهم المرحلية بضم دونباس وخيرسون فقد لا يأتي الصيف القادم إلا واوكرانيا بلا أي شريط ساحلي .