بناء على تقرير «غلوبال فاير باور» الصادر بداية عام 2021، فإن تصنيف الكويت العسكري قفز (14 مركزا) في مؤشر القوة بين ترتيب جيوش العالم، حيث كان تصنيف الكويت عام 2020 في المركز الـ 85، بينما في العام الحالي 2021 احتلت الكويت المركز الـ 71، وهو الامر الذي مثّل قفزة نوعية في ترتيب الكويت العسكري ليجعلها تتجاوز ولأول مرة تصنيف كل من: تونس، الاردن، عمان، اليمن، والسودان.
في السياق نفسه على مستوى المنطقة، حافظت المملكة العربية السعودية على مركز قوتها العسكرية المتقدمة، حيث استمر ترتيبها كـ 17 اقوى جيش في العالم لعام 2021، وهو نفس الترتيب الذي حصلت عليه لأول مرة في عام 2020، علما أن «مؤشر القوة» كان يضع ترتيب المملكة العربية السعودية قبل سنتين بالمركز الـ 27، كما احتلت الامارات ـ الصاعدة عسكريا ـ الترتيب الـ 36 في مطلع العام الحالي، فتكون بذلك قد قفزت 9 مراكز في ترتيب قوة الجيوش، حيث كان المؤشر يضعها في المركز الـ 45 عام 2020. اما بالنسبة لسلطنة عمان فقد ارتفع تصنيف قوتها العسكرية فقفزت ثلاثة مراكز، حيث كانت تحتل ترتيب الـ 75 عام 2020، ثم اصبحت تحتل الترتيب الـ 72 في العام 2021. وأنجزت في السياق نفسه كذلك دولة قطر قفزة في تصنيف قوتها العسكرية بعدما ارتفع ترتيبها 8 مراكز خلال عام واحد، حيث كان تصنيفها العسكري يضعها في الترتيب الـ 90 بداية عام 2020، ثم اصبح تصنيفها يحتل المركز الـ 82 مع مطلع العام الحالي.
وفي حين ارتفعت مؤشرات القوة لدى جميع الدول الخليجية، تراجع تصنيف مؤشر قوة مملكة البحرين فانخفض ترتيبها 10 مراكز في عام واحد فقط،، حيث كان ترتيبها 93 عام 2020، ثم اصبح ترتيبها 103 في 2021، والذي مثل تراجعا كبيرا في تصنيف مؤشر القوة لديهم.
أما على الضفة الاخرى من الخليج العربي، فقد حافظت ايران ـ رغم العقوبات الاقتصادية والعسكرية عليها في السنة الاخيرة ـ على نفس تصنيف قوتها العسكرية ولم يتراجع مركزها التي كانت تحتله بين جيوش العالم، حيث كان ترتيبها في 2020 المركز الـ 14 وما زالت مستمرة في عام 2021 على نفس التصنيف في قائمة جيوش العالم. بينما على مستوى الميزان الاقليمي في الشرق الاوسط، فقد وضع تصنيف قوة تركيا ترتيبها في المركز الـ 11 كأقوى جيش في العالم لعام 2021 وذلك بعد ان كانت تحتل المركز الـ 12 في العام 2020، وتزامن مع هذا التقدم التركي تراجع في مؤشر القوة المصري، حيث كانت تحتل مصر المركز الـ 9 في عام 2020 ثم تراجع ترتيبها للمركز الـ 13 في العام 2021، وبذلك يتفوق تصنيف تركيا العسكري على تصنيف مصر العسكري بعد ان كانت مصر متفوقة على تركيا في السنة الماضية.
جدير بالذكر ان تصنيف الكيان الصهيوني قد تراجع هذا العام، حيث كان ترتيب الجيش الصهيوني في عام 2020 يحتل المركز الـ 18 بين جيوش العالم، ولكنه تراجع مركزين في العام 2021 ليجعل ترتيبهم يقف عند المركز الـ 20 كأقوى جيش في العالم.
وفي تطور فريد من نوعه على مستوى ميزان قوى الشرق الاوسط الكبير، فقد قفز تصنيف باكستان العسكري في عام واحد فقط 5 مراكز، حيث اصبحت باكستان تحتل ولأول مرة المركز الـ 10 كأقوى جيش في العالم لعام 2021 بعد ان كانت تحتل المركز الـ 15 في عام 2020، وبناء على هذا الترتيب الجديد لباكستان فإنه يمكن اعتبار جيشها اقوى جيش في خريطة الشرق الاوسط، فترتيبها تجاوز ترتيب كل من: تركيا ومصر وايران والسعودية واسرائيل والامارات.
ما أهم المترتبات المحتملة على هذه المؤشرات الجديدة؟
ستزداد اهمية باكستان في عامي 2021 و2022، وستعمل معظم دول مجلس التعاون على رفع التقارب الاستراتيجي مع باكستان، كما سينمو دور باكستان الديبلوماسي والامني في اقليم الشرق الاوسط الكبير، وهو الامر الذي سيجعلها تلعب ادوارا اقليمية اكبر من العادة، كما سترتفع اهمية تركيا الديبلوماسية والسياسية وستجد دول مجلس التعاون بها موازنا استراتيجيا في وجه ايران، بمعنى آخر ستكون الخيارات المطروحة امامنا كدول مجلس التعاون كالآتي:
1 ـ إما تقارب خليجي ـ إيراني لتحييد التدخلات الايرانية وتهدئة التوتر معها لمدة 4 سنوات قادمة.
2 ـ او تقارب خليجي ـ تركي ـ باكستاني لإيجاد ميزان اقليمي متفوق ـ بشكل حاسم وغير متكافئ لغير صالح إيران ـ مما يساعد على تحجيم تدخلاتها وعقلنة سلوكها في الفترة التي تخفض فيها اميركا قواتها في المنطقة وتعقد فيها اتفاقا نوويا جديدا مع ايران.
وما أرجحه ان دول مجلس التعاون ستعتمد مقاربة اقليمية اسلامية مشابهة لحالة 2015 و2016، وهي تفاهم وتخادم سعودي ـ باكستاني ـ تركي وانفتاح نسبي باتجاه الصين ـ روسيا.
عاما 2021 و2022 سيكونان حافلين جدا بنزاعات اقليمية ـ اقليمية مباشرة او بالوكالة، ويبدو أن سورية ستعود مجددا ميدانا للنزاع الاقليمي بعد أن انخفضت معدلات النزاع فيها وانتقلت إلى العراق في 2020، كما من المرجح ان نشهد تسويات مصرية ـ تركية متعلقة بملف ليبيا خلال 2021، ويبدو ان مصر ستفضل تركيز جهودها فقط في ملف سد النهضة من خلال دعم السودان وتشجيعها لاتخاذ مواقف صلبة ضد اثيوبيا في حال لم ترضخ الاخيرة لاتفاق عادل يعالج أزمة سد النهضة. وعليه، فإنه من المرجح ان تكون هناك وساطة خليجية محتملة لتخفيف التوتر بين كل من مصر وتركيا، كما سنشهد خلال 2021 تحركا ديبلوماسيا خليجيا على شكل «وساطة كويتية» تقوم باستضافة كل الفصائل اليمنية في الكويت للعمل على ايقاف النزاع اليمني المسلح، مع اقامة اتفاق سياسي جديد تتمخض عنه «حكومة وفاق وطني يمنية جديدة»، وجزء من الاتفاق السياسي سيكون «معاهدات امنية وحدودية» بين حكومة الوفاق الوطني اليمنية، والمملكة العربية السعودية من جانب، وسلطنة عمان من جانب آخر، وسيتزامن مع ذلك التحرك تقارب سعودي ـ عماني غير مسبوق وارتفاع نوعي في مستوى العلاقات الثنائية بينهما، وهو الامر الذي سيترتب عليه بشكل تلقائي اتحاد كونفيدرالي خليجي، كما من المحتمل أن تتخلى البحرين عن قرار التطبيع خلال فترة حكم بايدن لأسباب استراتيجية.
من غير المستغرب ان يكون بايدن امتدادا طبيعيا لسياسات ادارة باراك اوباما، حيث كان بايدن نائب الرئيس اوباما ويشترك معه بنفس الحزب ويحمل معه نفس الرؤى، لذلك ستكون سياساته شبه مطابقة لسياسات اوباما تجاه منطقة الشرق الاوسط، ولكن هذه المرة ستكون نوعا ما «محسنة» لتجاوز الاخطاء التي وقع بها اوباما، ويتزامن مع ذلك حصول ادارته الرئاسية على دعم من الكونغرس ومن مجلس الشيوخ في وقت واحد، وهو الامر الذي لم يكن يمتلكه اوباما في فترته الرئاسية، وبناء على ذلك فإني اعتقد ان الشرق الاوسط بعد «سنة واحدة فقط» من صعود بايدن لمنصب الرئاسة، سيكون قد دخل في حالة فوضى استراتيجية تجعل من ميزان القوى فيه متغيرا بشكل دائم نتيجة سباق التسلح وتبدل التحالفات الاقليمية ـ الاقليمية بشكل متكرر خلال فترات قصيرة، بمعنى آخر سيتحول الفاعلون في منطقة الشرق الاوسط من منهج الاعتماد واللجوء الى المؤسسات الدولية والحلفاء الدوليين، الى منهج الاعتماد على الذات واللجوء الى احلاف عسكرية اقليمية بغرض الدفاع عن النفس من تهديدات القوى الإقليمية الاخرى التي سترى في هذه الفترة ظروفا مواتية لمزيد من التوسع على حساب القوى والدول الاخرى في المنطقة.
وفي الختام اود التنويه على توصيتين: إحداها محلية، والاخرى خليجية.
٭ التوصية المحلية: سيكون من المناسب اقامة اتفاقيات دفاعية يترتب عليها انشاء قاعدة عسكرية باكستانية صغيرة في الكويت لتلعب باكستان دور معوض الكويت الاستراتيجي في الميزان الاقليمي، خصوصا مع اعتماد اميركا سياسة «تخفيض تواجدها العسكري في الخليج والاتجاه شرقا»، ويدعوني لمزيد من الارتياح لمثل هذه التوصية هو عدم امتلاك باكستان لمشروع توسعي في العمق العربي.
٭ التوصية الخليجية: تتزايد خلال الاربع سنوات القادمة اهمية قيام جيش خليجي موحد ومندمج بشكل كامل تحت قيادة مركزية واحدة لنتجاوز معا التهديدات الدولية وتأثيرها على امننا واستقرارنا الاقليميين، فباندماج جيوش دول مجلس التعاون المرفق تصنيف ترتيبها العسكري بين جيوش العالم:1 ـ السعودية: 17 اقوى جيش، 2 ـ الإمارات: 36 اقوى جيش، 3 ـ الكويت: 71 اقوى جيش، 4 ـ عُمان: 72 اقوى جيش، 5 ـ قطر: 82 اقوى جيش، 6 ـ البحرين: 103 اقوى جيش.
سنضمن تصنيفا عسكريا تقليديا متفوقا على اي قوى اخرى في الميزان الاقليمي، بمعنى سنمتلك الردع الضروري والكافي لإرساء امننا الاقليمي والدولي حتى مع غياب حليفنا الدولي (الولايات المتحدة) عن المشهد.
تويتر: akalghanim11@