مقولة من المقولات المنتشرة كالنار في الهشيم، يقتات بها الساسة في خطاباتهم، ويهذي بها المثقفون في مجالسهم، ويسترزق بها الاقتصاديون في حساباتهم. ودائما ما تسبق بإن «إننا دول العالم الثالث.....» وإن تفيد التأكيد، ليؤكد القائل أننا دول عالم ثالث!
لكن هل توقفنا للحظة وتساءلنا لماذا نسمى دول عالم ثالث؟ ومن دول العالم الأول والثاني؟ وهل هناك دول العالم الرابع والخامس والسادس..إلخ؟
لست في هذا المقال أرصد بداية هذه التسمية التي خرجت من فرنسا في خمسينيات القرن الماضي، وليس هدفي تأكيد سبب التسمية أو البحث وراءه، غايتي وضع علامة في ذهن القارئ إلى كم نحن سذج، فكيف نرضى على أنفسنا أن نسمى بهذا وأن هناك دول عالم أول وثان دون أن نعرف أساس هذا التقسيم ومن واضعه وكيف وضع، لماذا ارتضينا ترداد هذا المصطلح الدنيء الذي يعطي شعورا بالدونية والاحتقار؟.
يا سيدي المردد لمقولة دول العالم الثالث لتعلم أن هذا التقسيم أتى من الغرب، وبنظرة استشراقية عنصرية بامتياز، فقط للعلم لا يوجد مرجع نستطيع من خلاله معرفة أساس تقسيم العالم هذا التقسيم، فقط ما نعرفه أن أميركا ودول أوروبا طبعا هم دول العالم الأول، ونحن الدول العربية دول عالم ثالث.
هذا عبث، وترديد هذا المصطلح سبة في حقنا، لنعلم أولا أن ذاك الأبيض العنصري يضع السعودية وتركيا وإندونيسيا دول عالم ثالث، وهذه الدول عضو في مجموعة العشرين الاقتصادية! واليونان المنهارة اقتصاديا من دول العالم الأول فقط لأنها تقع في القارة العجوز! الأمر إذن ليس اقتصاديا كما يظن أولئك.
علينا إذن مراجعة كل العبارات والمصطلحات التي نستخدمها في حياتنا، ونعيد التحقق منها، فالإعلام الغربي هو الذي يصنع المصطلح، وهو الذي يروج له بالوقت والمكان الذي يريده لأنه المسيطر، لكن يجب علينا ألا ندخل عقولنا أي مصطلح وأي كلمة ونحن لا نعرف لها أصلا أو مرجعا واضحا.
يجب أن نخجل قليلا قبل القبول بأي تصنيف عنصري استشراقي يميز بيننا وبين الآخر، ذاك الآخر الذي يعاملنا كفرعون «ما أريكم إلا ما أرى» وبعض العرب يحمل كلام الفرعون الغربي بقوة ويجاهد ليقنعنا به، وهو مع الأسف لا يحمل إلا أفكارا عفنة نتنة تفيض عنصرية وتمييزا.
هذه ليست دعوة لكره الغرب، فمنهم نتعلم ونستفيد الكثير، لكن ليس بعقلية الضعف والقبول بتقسيماتهم العنصرية، نحن لسنا دول عالم ثالث بلا غرور ولا تكبر، فنحن أعلم بمشاكلنا وعيوبنا، لكننا أفضل بكثير من دول باتت بتقسيمهم دول عالم أول، ونحن بأفكارنا وما يناسبنا نستطيع أن نكون حقا أفضل فقط لو ابتعد الغربي عن التدخل، وخرس أتباع فرعون من بني جلدتنا الذين يعملون عمل «الحمار يحمل أسفارا».