تاريخنا العظيم نبع زاخر لا ينضب، ومازلنا ومن سبقنا ننهل من صفحاته مبهورين، ومن قصصه وحكاياه مندهشين، معجبين فخورين به مستمتعين.
وكيف لا يكون كذلك وهو قائم على دين عظيم، حمله مرشد صادق أمين، زرع في نفوس أتباعه إخلاصا واجتهادا، فأبدعوا تميزا وعطاء، تحيطه لغة رائعة، لا تجف بحورها الواسعة.
ورب سائل ما الداعي لهذا الكلام الآن، ونحن بيننا وبين ذاك الزمان قرون، وذكريات وشجون؟
إن الدافع لتذكره، نسيان البعض عظمته، وعدم والوقوف على روعته، وما حملت صفحاته بالكتب، وسطرت الأقلام عنه من عجب، فخذ فيه من الأخلاق والكرم والجود، ما تعجز عن حمله الجبال السود، وحمل من وقفات الفطنة والذكاء كيفما تشاء، وحسن التدبير والتصرف، ومر على زهد أهل الدين والتصوف، وزد على هذا حكايات الأدب والشعر، وما نقشت خيالاتهم من سحر، ولن تخفى عليك حكايات البطولات والشجاعة، وأساطير الفرسان الوقادة.
لكن المحزن هو تشويه ذاك التاريخ من خلال دخلاء برزوا في وسائل التواصل، لا يعرفون فيه خارجا ولا داخلا، دفعتهم الشهرة للخوض بالتاريخ دون علم، ولا معرفة أو فهم، فيصفون الأحداث بسماجة، ويبعثرون المعلومات والقصص دون حاجة، ويبحثون عن الخلاف والاختلاف، دون فهم لتاريخ وأحداث، ويندفع خلفهم الشباب الذي يطلب المعلومة السهلة، والاختصار دون فحوى، فينكبون على السماع والمشاهدة، دون تثبت أو يقين، فيتعرفون على التاريخ تعرف قاصر، فلا يفهمون سبب إقدام صلاح الدين، ولا تخاذل المعز للدين.
فالرسالة لأهل التاريخ ومختصيه، أن يدخلوا حقول التواصل والنشر، ويواكبوا الجمع والحشر، حتى يوضحوا جمال حضارتنا، ويبرزوا روائع أمتنا، فمعرفة التاريخ تجعلنا نفهم واقعنا وما السبب وراء تراجعنا، فنتوقع ما يحدث في قادم الأيام، ولا نركن للسبات والأحلام، فتلك الحضارة العظيمة يجب أن يعرف الجيل كيف قامت، وتألقت حتى سادت، ليتعرف عليها دون تزيف وتبهير، أو تضخيم وتخدير. فيعرف متى أصابت ونجحت، وكيف أخطأت فسقطت.