لقد كـــانت كليــوباترا شخصية محيرة للباحثين وعلماء الآثار والتاريخ، وكتب عنها الكثير في قصص العشق والحب والسيطرة والخداع، وتناولها الأدب الغربي من الشعر اللاتيني إلى مسرحيات شكسبير بصورة بشعة، فجعلوها تستخدم جمالها وجاذبيتها من أجل مصالحها وحكمها لمصر، وانبرى بعد قرون طوال أمير الشعراء أحمد شوقي فأبدع دفاعا عن تلك الأميرة مسرحيته الشهيرة «مصرع كليوباترا» والتي حاول من خلالها شوقي تقديم ملحمة عربية بطلتها كليوباترا.
نرى أن نظرة الأدباء للشخصية متغيرة وأحيانا لا تعكس الواقع، فكل أديب يقدم الشخصية وفق ما يراه دون قيود تاريخية محكمة، يتبع سلطان قلمه وما يجول في خاطره، ويقوم بعض القراء باستخدام الأدب كدليل تاريخي، ويجعل مما سطر الأدباء والشعراء سندا قويا وحجة عظيمة للدفاع أو ذم شخصية تاريخية، فيستشهد بقول شاعر، أو يستدل بكلام أديب.
انتشر هذا أيضا في تاريخنا الإسلامي، فشخصية كافور الإخشيدي التي هي كالذهب في التاريخ من قتال شرس ودفاع عن الأمة وإقامة العدل، استطاع عبقري الشعر وعظيمه المتنبي أن يخسف بها سابع أرض بعد الهجاء اللاذع في داليته المعروفة والشهيرة «عيد بأي حال عدت ياعيد».
كذلك استطاع أبو تمام أن يحيي ذكر المعتصم بالله في القصيدة المرسومة في عيون الشعر العربي فتح عمورية ورفعه حتى يعتقد القارئ للشعر أنه زعيم عظيم وحاكم فذ، والواقع أنه كان من أهل فتنة خلق القرآن ومن المتشددين بها فله وعليه.
وكثيرة الأمثلة على ذلك، فقد رفع الأدباء والشعراء شخصيات ما كان لهم دور أو إنجاز في التاريخ، وحطوا من أسماء عظيمة في تاريخ الأمة والبشرية. لذا، يجب على قارئ الأدب أن يستمتع بالأدب والجمال بالكلمات والصور المجازية والإبداع الفني والتراكيب العبقرية وجودة السبك وفصاحة اللغة، دون النظر إلى الجانب التاريخي، فلا يكون حكما تاريخيا فاصلا إلا بالرجوع لكتب التاريخ وأهله فهم الفيصل في ذلك.
أما في كليوباترا فلعلنا لا نتاول ذاك الاسم دون المرور برائعة علي محمود طه التي غناها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والتي قال في مطلعها «كليوباترا.. أي حلم من لياليك الحسان.. طاف بالموج فغنى وتغنى الشاطئان.. وهفا كل فؤاد وشدا كل لسان.. هذه فاتنة الدنيا وحسناء الزمان» هنا نبحر مع جمال الكلمة ودقة الوصف وعبقرية الشاعر في نسج الكلمات ليكون الشعر لوحة تطير بنا إلى عالم الجمال والإبداع، دون نظر لتاريخ أو آثار فلكل علم ركائز، ولكل شيخ طريقة.