الساحة الثقافية الكويتية تعاني بشدة من عوامل عدة، لعل أهم ما تعانيه هو النقد، الذي تحول من إعلام ناقد يبرز المميز ويدحض السيئ، إلى إعلام مجامل من العيار الثقيل، فلو تابعنا ما يكتب اليوم ـ مثلا ـ عما قدم في معرض الكتاب من روايات وكتب نعتقد أننا في ثورة ثقافية، وأن الكتاب ينافسون الرافعي بلاغة، والزيات سبكاً، والعقاد جدة وجودة!
لكن الواقع قاتم ومؤلم، ففي معرض الكتاب الأخير، نرى أن من يتصدر المشهد روايات وكتب لا علاقة لها بالأدب إلا أنها صفحات، فدون قسوة مفردة وبصريح العبارة نرى اللغة ضعيفة لمستوى تشفق العربية على نفسها منه، وحوارات سواء عامية أو فصيحة غير مترابطة دون مستوى حديث الشارع العادي، وأفكار مكررة أو مسروقة من مسلسلات أو أفلام أجنبية دون خجل من كاتبها أو كاتبتها، إننا نتابع اليوم الغرب كما نتابع العرب، والسائد العام تفاهة وتكرار، وروايات سمجة الأحداث لا تجد فيها ما يستحق أن تباع أو أن يدفع بها ثمن الحبر الذي كتبت به، وإنني لأشفق على العاملين في دور النشر من قراءة هذه الروايات عند طباعتها.
لكننا مع هذا الظلام نرى النقاد والصحف تشيد إشادة كأنها تتحدث عن شمس من الأدب، وقمر من الإبداع، ونجوم من الفكر، كما هم نقاد المسرح والفن، يتحدثون عن مسرحية كل من شاهدها ودخل تلك المسارح التي تحولت إلى استعراضات أو جلسات ديوانية لا ترقى إلى أن تكون مسرحا للكويت التي كانت شامخة بمسرحها، فكل من يذهب إلى المسارح اليوم يبصم بالعشرة على هذا السوء، وعدم وجود المحتوى، وسخف ما يقدم ما عدا النقاد الذين يشيدون بفن ومسرح متخيل في عقولهم التي تعودت المجاملة، فمتى كان الناقد أمينا في النقد، واقعيا في الطرح، طرح الصداقة والزمالة، واحترم القلم الذي يكتب به، متى ما ارتقى مسرحنا وفننا، لذلك التردي اليوم في الوضع الفني يتحمله بالدرجة الأولى النقاد ثم العاملون في الفن.
كذلك المجاملة في مدح الشباب دون داع مفسدة لهم، لعلنا هنا نتذكر ذاك الأديب المصري ـ دون ذكر الاسم ـ عندما أتاه شاب كاتبا لقصة ووضع الورقة على مكتبه نظر إليها وقرأ منها سطرا ثم مزقها ورماها في القمامة، وقال لكاتبها الشاب القصة سيئة! فخرج الشاب مكسورا يجر الخيبة، فقال من يشهد هذا الموقف لذاك الأديب: لماذا لم تجامله لقد دمرته بهذا التصرف؟، فقال أديبنا: القصة ليست بهذا السوء، ولعله يتطور مع الوقت، لكن الواقع كل يوم هناك من يكتب قصة ورواية، ولو كان هذا الشاب صاحب إبداع حقيقي لن يقف عند هذه المحطة، وسيتحول بعد هذه الواقعة إلى مقاتل يكتب أفضل وأفضل، أو أنه يستسلم وترتاح منه الساحة الأدبية.
هذا دور الناقد الحقيقي الذي يتمنى لواقعنا الأفضل، فالشدة والنقد اللاذع هو ما يحتاج إليه واقعنا الأدبي والفني اليوم، لعل وعسى أن يصحى أهل الأدب والفن من غفلة التردي التي انتشرت في الساحة الثقافية.