ورحلت الملكة إليزابيث الثانية بسلام في مقر إقامتها في مرتفعات بالمورال الاسكتلندية بعد أطول مدة حكم في التاريخ البريطاني.
وعلى مدى أيام توجهت أنظارنا لمتابعة التغطيات اللحظية والتحليلية بوسائل الإعلام البريطانية والعالمية والعربية التي تنوعت في تغطيتها «للرحلة الأخيرة» للملكة إليزابيث الثانية من بث مباشر، وصور أرشيفية وأفلام وثائقية، ورسوم الإنفو جرافيك في ترسيخ للصورة الملكية البريطانية، فنرى تاريخها وعراقتها ووجودها، وأشياء كثيرة يمكن إدراكها وأشياء يتم استيعابها شيئا فشيئا لكنها تقدم صورة أقدم ملكية بما يبهر العالم كله ربطت البريطانيين والعالم بالعصر الفيكتوري.
بعيدا عن التغطية الإعلامية والمراسم الثرية سمعيا وبصريا، فإن الدرس المستفاد من هذا الحدث أنك إذا أردت أن تعرف مدى رقي أو تقدم أي مجتمع، فعليك أن تنظر أولا إلى مدى تقديره واهتمامه وحرصه على تعزيز قيمة وخلق «الاحترام» بين أفراده، ومدى تطبيقهم لهذا الخلق، فشاهدنا على مدى أيام مئات الآلاف من البريطانيين والزوار في طوابير طويلة لرؤية نعش الملكة الراحلة إليزابيث الثانية لمشاركة الحزن وإبداء احترامهم والنظر لـ «صفحة تطوى من التاريخ» لملكة عملت لأجلهم 70 عاما.
فمهما امتلكت الدول من ثروات، وطبيعة خلابة، ونهضة عمرانية، أو امتلكت جيوشا وقوات، فلن تكون هذه الدول متقدمة ما لم تعط الاحترام قيمته كأحد روافد القيم الإنسانية.
فالطفل لا يتأثر فقط عن طريق التعليم في المدرسة، بل عن طريق القدوة الصالحة والتربية والتنشئة..
قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
الإنسان ابن بيئته يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه، فالفرد الذي يعيش في مجتمع يعلي من شأن قيمة ما، فحتما سيسير في نفس الاتجاه.
القيم منظومة نسقية متكاملة، تضم مجموعة من المبادئ والقواعد والأعراف التي تحكم السلوك بين مكونات المجتمع، وهي بمنزلة المعيار الرئيس في صياغة وتوجيه التصرفات على نحو يخدم تقدم المجتمع في جميع مجالات الحياة.
لكي تصبح القيم الأخلاقية تعبيرا عن الهوية الإنسانية أو القومية على الإنسان أن يضعها ويطبقها ويكون مسؤولا عنها، لأنه سيلمس نتائجها وهو حي سلبية كانت أم إيجابية، فمنظومة القيم الإنسانية المتعارف عليها تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وصيانة وتعزيز الحريات الخاصة والعامة وإعلاء وتمكين وتطبيق القانون بما يضمن الأمن والاستقرار المجتمعي.
وما يميز مجتمعا عن آخر وبشكل خاص هو ما يصدر عنه من سلوك، من خلال تطبيقه للمفهوم الأخلاقي على كافة مجالات الحياة وبقوة من خلال تحكيم الضمير إنسانيا وبانفتاح، وليس من خلال مفاهيم تربوية عقائدية انغلاقيه أو اجتماعية ضيقة.
الارتباط بالمفاهيم الأخلاقية بالشكل الوثيق هو المعبر العريض للدخول إلى عالم الرقي والتحضر.
فالبلدان المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا تحكمها القوانين الأخلاقية من خلال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة بين أفرادها وسلطاتها.
الإنسان يحتل المركز ليصبح هو المنطلق وهو المنتهى إنه فاعل وصانع لمصيره وتاريخه عبر الفكر الحر والإيمان بمبادئ وقيم الديموقراطية.
٭ عز الكلام: ليس ثمة غاية مهما بدت سامية يمكن أن ترتفع فوق حق الإنسان المتساوي في الحياة والحرية والكرامة، تغييب حريات البشر واستباحة حقوقهم بوصاية الفكر الأصولي المنغلق الاستبدادي مقدمة لقتل البنية الأخلاقية الإنسانية للمجتمع.. الغاية تبرر الوسيلة.
[email protected]