بناء الأمم يكون ببناء الفرد الذي هو نواة المجتمع، ولا سبيل إلى بنائه إلا من خلال التعليم، ولهذا فإن مؤسسات التعليم في أي مجتمع هي معيار قوته، ومقياس نهضته ومركز بنائه، ورسم مستقبله، وصياغة للمجتمع، وصناعة أجياله، فالتعليم هو جواز السفر إلى المستقبل، لتحقق تطلعاته نحو التقدم والرقي في العلوم والمعارف.
الأسرة أحد أهم الأنظمة الاجتماعية المهمة التي يعتمد عليها المجتمع كثيرا في رعاية أفراده، فهي تشرف على تربيتهم وتلقينهم ثقافة المجتمع وتقاليده وتهيئتهم لتحمل المسؤوليات الاجتماعية، فما يعرض وما يسمع وما يرى في البيت له أعظم الأثر في حياة الأبناء ومستقبلهم، ولابد أن يكون الوالدان قدوة لأولادهم في أقوالهم وأفعالهم.
أساس التربية هي الأسرة فمن الجميل أن تقوم بغرس حب التعلم والحرص على طلب العلم في نفوس أبنائها، وان نجحت في ذلك سيحظى أبنائها بقابلية عالية على التعلم.
دور الأسرة في إصلاح التعليم دور مهم وخطير، وإصلاح المؤسسة التعليمية لن يكون إلا برعاية وقيادة فعالة من المؤسسة الأسرية. التعليم الذي أعنيه ليس التقليدي المحصور على الحفظ، بل هو التلقي السليم، والبناء القوي، وصناعة المبدع، والنقد الهادف، والأجيال المنتجة، والوسطية الحقيقية، والقراءة والمعرفة، وقبول التعددية الفكرية، والإدراك أن في الاختلاف قوة، فالإبداع لا يأتي إلا من خلال قبول التعددية في الفكر ونمط الحياة، أما الإصرار على أحادية الفكر والتصرف فهو عنوان التقوقع في عالم متغير باستمرار.
لقد وقع شرخ عميق في علاقة المؤسسة الأسرية والمؤسسة التعليمية واتسعت فجوته في السنوات الأخيرة من خلال غياب التواصل الإيجابي بينهما فبرزت ظواهر جديدة لم نعهدها من قبل مثل «الغش الجماعي، والغياب الجماعي». لا يمكن أن نتطور أو نتقدم دون إصلاح الشرخ بين المؤسستين «الأسرة، والمدرسة» وإعادة التواصل المستمر، وتفعيل التكامل التربوي بينهما، ومشاركة الأسرة في تتبع دراسة وسلوكيات أبنائها في المدرسة. فلا يجب أن يكون دور المدرسة القيام بدور الأسرة في تربية وتوجيه أبنائها، مع تعزيز الأخلاق أو التربية في ظل مجتمع تغير فيه كل شيء.
من حسن الحظ أننا جيل نشأ وعاصر مدارس صنعت عراقتها على مدى سنوات طويلة بتعاونها مع كل العناصر التعليمية، وأولياء أمور الطلبة، والبيئة المحيطة، وعمل كوادرها بجد لكل ما فيه من مصلحة تعود على الطالب من خلال مجلس الآباء، ومتابعة الطالب وتحسين مستواه التعليمي، وتكريس الأنشطة لصقل مواهبه، ورحلات لتنمية قدراته التعليمية والجسدية والعقلية والمعرفية، وتجربة الإدارة الذاتية للمدرسة ليشعر بأنه يدير المدرسة بنفسه مما يغرس في ذاته وعقله مبادئ السلوك الديموقراطي وترسيخ مبدأ الانتماء للمكان واحترام المعلم والعلم.
ألا ليت زمان التعليم يعود يوما!
٭ عز الكلام: لا يجوز أن يبقى إصلاح التعليم بيد أي طرف يقف ضد الابتكار والإبداع والتطور ومحاكاة المستقبل، ودون إرادة ورؤية تربوية متكاملة للإصلاح التربوي، تعيد للتعليم مكانته ودوره الاجتماعي الفعال بعيدا عن الحسابات السياسية والانتخابية، ومشاركة حقيقية للفاعلين التربويين، والعمل على الخطط والمشاريع التربوية للتحولات العميقة التي يشهدها المجتمع والعالم من حولنا.
«إذا كان التعليم مؤثرا في الأفراد، فالتشريع مؤثر في الشعوب وكل منهما السبب في تميز شعب عن آخر» - مراد وهبة جبران (فيلسوف).
[email protected]
Nesaimallewan