اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين، نجد أنفسنا من جديد وسط أصوات تتعالى منادية بأهمية التعلم مدى الحياة، ولم تعد مسألة اختيارية من أجل تطوير الذات فقط، بل بات توجها حتميا، وضرورة اقتصادية لمواجهة التحديات الحالية المتعددة.
الإنسان عندما يتعلم فإنه يكون مدفوعا بالحاجة البشرية الواقعية إلى التعلم طلبا لحياة أفضل في الدنيا، وهذا أمر مفهوم ومقبول، لكنه كذلك ينبغي أن يتعلم طلبا لارتقاء روحه وقلبه، وانضباط عقله وجوارحه، ومعرفته لنفسه، فيحسن الفهم لمعنى الحياة والتعامل مع تحدياتها المختلفة، فالتعلم ينمي ويعزز الانفتاح والازدهار في المستوى الفكري.
نطمح لمجتمع مميز علميا وفكريا، يكون على علم ودراية بحلول المشكلات التي تواجه الناس، والتي يمكن أن تساعدهم على مواجهة العقبات اليومية التي تعترض كل شخص.
ما ذكره ألفين توفلر في كتابه «صدمة المستقبل»: «الأميون في القرن الواحد والعشرين لن يكونوا أولئك الذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، بل أولئك الذين لا يستطيعون الفهم والتعلم وإعادة التعلم مدى الحياة». وورد فيه أيضا قوله: «من خلال تعليم الطلاب كيفية التعلم، والتعلم عن التعلم، وإعادة التعلم، فإن التعليم يكتسب طاقة هائلة وقوة متجددة. وعلى هذا النحو لن يكون الأميون غدا هم أولئك الذين لا يستطيعون القراءة، ولكن أولئك الذين لم يتعلموا كيف يتعلمون».
وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن أنواع المهارات التي ستتطلبها وظائف المستقبل، من الضروري أن تقوم المؤسسة التربوية والتعليمية بإعداد الطلاب بما هو أكثر من المهارات الأساسية للقراءة والكتابة، وينبغي للطلاب أن يكونوا قادرين على تفسير المعلومات، وصياغة الآراء، والإبداع، والتواصل الجيد، والتعاون، والتمتع بالمرونة.
من الأهمية بمكان تعليم الطلاب مهارات التفكير النقدي، وتدريبهم منذ الصغر على تحليل ونقد الظواهر، والمعلومات، والادعاءات، لمعرفة ما إذا كانت صحيحة أو غير صحيحة، بدلا من التسليم التلقائي.
التكوين تكوين عقل وفكر، تنمية التفكير، والتحرر من التبعية بجميع صورها المختلفة، وهو ما يحتم علينا ضرورة ردم هذه الفجوة في نظامنا التعليمي، حتى لا تبقى أجيالنا في عداد الأجيال المتلقية لثقافة ومنتج الآخر من دون أن تسهم في صناعتها!
بالرغم من أهمية التفكير، وتنمية التفكير بمختلف مستوياته، فإن مناهج التعليم مع الأسف تجاهلت تنميته في الطلاب، فمؤسسات التعليم، ومقرراته، وأساليبه، ووسائله، تركز على التلقين والحفظ المجرد، وتتجاهل التفكير، والإبداع، والابتكار، والبحث، والتأمل، والتحليل، والاستنتاج.
التعليم اليوم لا يقتصر على ما يتلقاه الطالب في الحصة الدراسية، ولم تعد غاية في حد ذاتها، بل وسيلة للتعليم والتدريب على مهارات التفكير العليا، حتى يصبح الطالب قادرا على مواجهة التحديات، وحل المشكلات، وصناعة القرارات المناسبة.
إن نجاح أي نظام تعليمي يستوجب الوضوح التام في الهدف والغاية والمقصد، الذي يسعى إلى تشكيل فكر ووجدان النشء عليه، ويتطلب كذلك استشعار المسؤولية من طرف المعلم والمتعلم، وكذلك اختيار الوسائل الكفيلة بتحقيق الهدف والغاية المقصودة.
إن العقلية النقدية ليست بضاعة تقتنى، ولا معرفة جاهزة يمكن ترجمتها أو نقلها، إنها ببساطة تربية استراتيجية ترتبط بآليات ذهنية وعضوية وآليات اجتماعية متداخلة، فليس من الأهمية أن تعطي الإجابة الصحيحة دائما، بل من الأهمية بمكان أن تعلم الطلاب كيف يفكرون ويصلون إلى الإجابة الصحيحة بأنفسهم، والبحث عن الحقيقة بدلا من الاعتماد على ما يقوله الآخرون.
عز الكلام: إذا أرادت المؤسسة التعليمية والتربوية أن تستعيد دورها التربوي كما السابق، عليها تنشئة وإعداد الأجيال تنشئة متكاملة، روحيا، وعقليا، وبدنيا، وتفعيل التربية الفكرية، والتفكير خارج صناديق الكتاب والمناهج الدراسية، عليهم أن يسلكوا طريق المنهج والحجة والدليل والبرهان، في تلقيهم المعلومات، وفي البحث عنها، وفي تحليلها وتناولها.. فلنعلمهم كيف يتعلمون، وكيف يفكرون تفكيرا نقديا وإبداعيا.
[email protected]
Nesaimallewan@