هل يستطيع الزحام من حولنا أن يسرقنا من ذواتنا؟ ترتفع الأصوات، وتعلو الضحكات والهمسات في محيطنا القريب والبعيد.
لكن هل لدى هذه الأصوات الصاخبة القدرة على ذلك!
كنت معزوما من ضمن المعازيم، في حفلة ذلك العرس، امتلأت الصالة بالرجال والكثير من الأطفال، جميعكم يعلم ويتخيل منظر البشر في ذاك الموقف، أبذل جهدا ليس بالبسيط لكي استمع لمن هو بجانبي، وفي بعض الأحيان أخمن بقية حديثه، وأعطيه تلك الابتسامة التي تفيده بأنني فهمت وسمعت لكامل حديثه الذي في الواقع لم استمع إلا لبعض حروفه.
وأثناء ذلك كان يحاول الصوت الآخر، لم تكن محاولته الأولى، بل كانت الثالثة على ما أظن.
تجاهلته عدة مرات، لكنه لم يتوقف، صوتي الداخلي الذي يحدثني ويذكرني بذلك الثقل والوزن الكبير الذي جلس على أكتافي.
بالرغم من صوته الخافت، صوته الضئيل، إلا إنه تفوق على صخبها، وكأنه يتحدى الكل، لأنه يعلم بحجم عضلاته وجبروته.
وأخيرا استسلمت له ورفعت رايتي البيضاء.
قلت له: تفضل، كلي آذان صاغية.
ضحك وقال لي: لا أريد منك شيئا، أردت أن أثبت لك مدى قوتي، أما الآن تستطيع أن تعود لهم، وذهب دون أن أودعه.
حينها قلت:
صوت البشر صاخب ونبرته طاغية
حاول أن يشتت ما بداخل باطني
صوت السريرة انتصر، جنده قوي باسه عصي
غطى عليهم واحتفل، حقق مراده، وحدتي
في وسطها أرجع وأبقى منطويا.