أوصاني على فراش الموت قبل وفاته بيومين فقط، وقال لي: «أوصيك بالأولاد»، وأخذ يكررها كثيرا على مسمعي على الرغم من صعوبة خروج تلك الكلمات منه إثر تعبه وإنهاكه.
رحمك الله يا عمي محمد، وأسكنك فسيح جناته، لكن بعد مماته أحسست بأن الوصية كانت ناقصة، وظل السؤال يدور في مخيلتي، لم يتركه للحظة واحدة، حتى جاء هذا اليوم الذي يخبرني فيه بأن الوصية كانت كاملة حتى آخر حرف فيها.
أوصاني وأوصى أم اولادي التي كانت تقف بجانبي بنفس الوصية وبكامل حذافيرها، أمهم التي لم تعد زوجتي الآن، وأشكر الله من داخل وأعماق قلبي على هذا القدر الجميل، فهو من عنده العزيز الكريم.
حالة العجب جاءت على هيئة سؤال، كيف وهي ابنته الصغرى المدللة لديه ومرت الوصية دون أن تأخذ نصيبا منها.
أذكر ذلك اليوم جيدا ورائحة المعقمات في كل المكان حين كنا في المستشفى، وأذكر ذهولي، لماذا لم يوصني بها، هل علمه بكوني رجلا أعرف مسؤولياتي وواجباتي تجاه الجميع تكفي؟ أم أن هناك سببا آخر؟
لكن الكل يعرف أن هذا الفراش الأبيض لا يعرف المجاملات أبدا فهو على أبواب البرزخ لن يهمه شيء أبدا سوى أن يخرج ما في قلبه، أم كان يعلم أننا لن نبقى معا، وقد أوصى وصيته هذه؛ ليجعلني في حالة الاستعداد إلى القادم.
أذكر حين كنت أكتب لكم أن بدني كان يقشعر خوفا من هذا الاحتمال وأن الموتى ينكشف أمامهم بعض الغيبيات.
أنا سأنفذ وصيتك، أعدك فهم أولادي وهم أغلى ما أملك بعد والدي ومن بعدهم ستأتي شريكة حياتي القادمة؛ لأن هذا الترتيب يجب أن يعرفه الجميع.
أما هي فلا أعلم مدى التزامها به، فنحن صرنا غرباء كما كنا منذ عهد طويل.
وأنا من هنا أطلب من الجميع أن يأخذ وصايا الأموات بكل جدية وانتباه شديد، لأن فيها في بعض الأحيان معاني وأبعادا قد نجهلها نحن الذين ما زلنا نمشي على الأرض.