من بين كل تلك الأشجار كانت هناك واحدة معمرة مثمرة فارعة الظل، أصبح ظلها كغيمة في سماء قررت أن تمطر حبا وعطفا. كبرت ثمارها التي تعلقت في أغصانها الصلبة بين الظل والظل، حتى جاء ذلك العابر للسبيل، فاستظل بالشجرة وبتر بعض أغصانها كي يطهو طعامه من ذلك الأرنب الغبي، الذي تعود لطف الناس في الجوار.
لكن العابر لم يكن منهم، فحين اقترب من صاحب الفراء الناعم انقض عليه وأمسك به من أذنيه بقبضته التي لا ترحم. رفع الكائن السريع بين عينيه عاليا في السماء، وأخذ يتمتم بحروف في أذنيه الطويلتين بحروف لا تفهم، ومازال الأرنب يظن أنها دعابة من أحد العابرين المعتادين. لكن كلماته التي أطلقها من بين ناظريه كانت تقول له «لم تنفعك أذناك بل خدعتاك».
وخلال دقائق معدودة كان سريعنا وجبة كاملة البراءة تمضغ بين مطاحن وأنياب ذاك الغريب، أسفل تلك الشجرة الشامخة الكبيرة، التي شهدت على ما حصل ومازالت تشهد. وحين همّ الرجل بالرحيل لم ينس منظر تلك الثمرات الثلاثة في غصن الوارفة الخضراء، فاقتطفهن واحدة تلو الأخرى ورحل تاركا الشجرة كما هي، وهذا حال الجميع معها.
صاحت الشجرة.. ورقا وخريفا على ثمارها، وأبقت على أكبر أوراقها وكتبت عليها: احذروا عابري السبيل وارسلتها إلى بقية الأشجار!