الديموقراطية الكويتية ونظامها السياسي هو نظام مركب بين النظامين البرلماني والرئاسي، فالبرلمان بشكله الانتخابي والتمثيلي للأمة يمثل النظام البرلماني، ورئاسة الأمير للسلطة التنفيذية والممارسة من خلال الوزراء يمثل الشكل الرئاسي.
وانطلاقا من هذا بنيت الديموقراطية الكويتية على مبدأ فصل السلطات مع تعاونها، إلا أن سوء تطبيق هذا المبدأ وانحرافه بشكل حاد، خاصة آخر عقدين، أوجد لنا الممارسة الخلافية الصدامية بين السلطتين والمشوهة للديمقراطية.
فبدءا من الانتخابات البرلمانية نجد تفشي المال السياسي والتنافس في شراء الأصوات بهدف الاستحواذ على غالبية الأصوات في المجلس القادم والتأثير على القوانين والتوجه البرلماني ونوع الرقابة. وفي المقابل، نجد مزايدة الناخبين على أصواتهم للحصول على أعلى ثمن مقابلها، جاهلين أو متجاهلين نتائج تصرفهم هذا.
فهم بعد الانتخابات يصيحون من سوء الحال وتردي الأوضاع في الدولة وشكواهم من ضعف أداء النواب والحكومة وتضرر مصالحهم كمواطنين.
نهج الحكومة في التعامل مع المجلس خلال آخر عقدين كان يتسم بالضعف والتردي بسبب اعتماد الحكومة بشكل كامل تقريبا على ممارسات الترضيات وتقديم الهبات والتنازلات، من خلال فتح المناصب القيادية لهم ووضع من هم غير أهل للمسؤولية في هذه المناصب، وفتح باب الخدمات على مصراعيه لنواب الخدمات الذين أصبحوا يتفاخرون بتدخلهم بسلطة أخرى منعهم عنها الدستور، وتضخم أرصدة بعض النواب بشكل لا يعكس الراتب النيابي الذي يتقاضونه وفشل أجهزة الدولة المالية الرقابية في منعها، لا بسبب جهل لكن بسبب شل يدها بإرادة عليا سواء كانت بقانون أو بقرار.
هذه النتائج والعلاقة الندية بين الطرفين أدت إلى فوضى عارمة وشلت التنمية والتطوير في البلاد.
فلا يمكن بوجود هذه العلاقة ونتائجها الفوضوية العاصفة أن يدار البلد لأنه تجاهل حيوية عنصري الفصل والتعاون في مبدأ علاقة السلطتين ببعضهما.
فهذا الخرق لأسس هذه العلاقة أوجد لنا حقبة زمنية قد تكون الأسوأ في تاريخ المسيرة الديموقراطية الكويتية. ففيها اشتعلت الساحة السياسية بالخلافات الندية الحادة والصدام والتخوين وشلت مصالح البلاد والعباد والأعمال العامة.
كما تم إقحام الشعب كطرف بهذه العلاقة الصدامية بهدف استخدامه كوقود يزيد من اشتعال النار ضد السلطة التنفيذية.
توسمنا خيراً بالعهد الجديد، وما زلنا نتوسم ذلك، بأن يُلغى النهج السابق ويقدم نهج جديد من خلال وضع منهجية فاعلة للحكومة تستخدم أدواتها المنصوص عليها دستوريا من رسم للسياسة العليا للدولة ورعاية مصالحها ووضع الخطط والتنفيذ بما يخدم هذه المصالح العامة.
وهذا يتطلب رؤية طويلة المدى وأشخاصا من أصحاب الخبرة يعملون على تنفيذها، إلا أن نهج التنازلات لا يزال قائما بسبب «مارد نواب الأمة»!
لماذا أقول «مارد»؟ لأنه عندما يتجرد القوي من قوته يجعل الآخر الضعيف قويا.
فالضعيف ليس قويا بأساسه لكنه يقوى بضعف من أمامه. وهذا ما على حكومتنا أن تدركه وتبحث عن المستفيد من خلق هذا المارد. فهذا المارد ومن يريد بقاءه هدفهم استمرار الترضيات والمساومات كأساس في تمرير القوانين.
وهذه الفكرة الأخيرة (أي تمرير القوانين والتصويت عليها) هي نقطة الضعف المستغلة ضد حكومات العهد القديم وأدت إلى هوانها وضعفها في تطبيق القانون بحزم ومساواة، وقدمت بالمقابل مصالح البعض الخاصة على مصالح العامة، وهذا بدوره أفقد ثقة الشعب بها. وإعادة الثقة بالحكومة هو أكبر تحد تواجهه أي حكومة جديدة اليوم.
فعلى الحكومة، إن أرادت أن تخرج من عنق الزجاجة أن تعيد ترتيب أولوياتها من خلال تحليل جديد للوضع ووضع منهجية تعيد الثقة بها، تعتمد على بناء وإدارة دولة مهنيا واحترافيا من خلال الدستور والقانون والتخطيط الاستراتيجي والنظم الإدارية، لا الأدوات السياسية كالمقايضات والترضيات والتنازلات.
وأول ما على الحكومة أن تتخلص منه هو «أوليغارشية» القرار الحكومي ومجلس الوزراء اللذان يؤثران على أي تشكيل وزاري جديد وغايته وقوته.
وقد يعترض البعض على هذه التسمية أو قسوتها لأنه سيسقط معنى الأوليغارشية الحرفي لتعريفها العام وهو حكم الأقلية من أصحاب المال أو الطائفة أو القوة العسكرية بقصد استفادتهم الخاصة.
لكنني اليوم أسقط معنى الأوليغارشية على فئة الأقلية المتحكمة في القرارات الحكومية الحيوية لاستفادتهم الخاصة ولاستمرارهم في مناصبهم ونفوذهم، من خلال استغلالهم لمارد النواب وهاجس معضلة تمرير القوانين، دون الأخذ بالاعتبار للمنهجية والرؤى الإستراتيجية للدولة التي تنتج الحكومة القوية بشكلها وتشكيلها والفاعلة بمنهجها ونتائجها واستمرارها.
www.aliafaisalalkhaled.net
[email protected]