حصول الكويت على المرتبة 85 في مؤشر مدركات الفساد للعام 2017 أثار ضجة كبيرة وآراء متعددة واستنكارات، إلا انني لم أستنكر هذه النتيجة لأننا نعيش هذا الفساد ونراه يوميا وأصبح حديثنا بالصباح والمساء، بل وأصبح سلوكا ونهجا فكريا، فأصبحت أعمالنا نصفها معلن ونصفها غير معلن ونبحث عن الواسطات لتسهيلها لإيماننا بأنها لن تسير إلا بواسطة. تمادى هذا النهج ليصل الى الوافدين والمقيمين بالبلاد فأصبح كل من لديه استعداد للفساد مقتنص لأي فرصة سانحة يراها ليقتات عليها ليزيد دخله ويقلل فترة بقائه المؤقت بالبلاد، وأصبح غيره من تعفف عن الفساد ممارسا له من خلال عدم احترامه للقانون والنظم بالبلاد ويتضح ذلك جليا بأبسط مثل في قوانين المرور التي يتجاوزونها يوميا دون رادع ذاتي او مخافة من المحاسبة.
بلوغ أي مبتغى يبدأ بفكرة يتفكر بها وأبسط وسيلة للتفكر هو بالنظر بعكسها، فإن كنا مستاؤون من الفساد فعلينا أن ننظر الى عكسها حتى نتفكر ونعرف ما نريد، وعكس الفساد لغويا هو الإصلاح، الرشد، الجودة والجد وهذه كلمات لصفات تقع على أفراد قبل أن تقع على أنظمة وقوانين، فإن وجد الصلاح والرشد والجودة والجد في مجموعة وجدت في نتاج أعمالهم، وهذا المفهوم ينطلق من المركزية الفردية في القيم والأخلاق بالأعمال والنوايا لينتهي في محيط شامل للمجموعة بنتائجها. لذلك يقال إن محاربة الفساد وعملية الإصلاح تكون ضمن إستراتيجية شاملة تشمل الأفراد (المركز) والحكومة بمؤسساتها والقوانين المنظمة (المحيط)، فمسألة ان نطلب من هيئة مكافحة الفساد محاربة الفساد دون إستراتيجية شاملة لهو وهم واكذوبة، ومسألة مطالبتنا لتطبيق القوانين ونحن نستثني أنفسنا وأهلنا منها لهو تعزيز للفساد. الإصلاح له ثمن غال يدفع من قبل كل الأفراد سواء كانوا بالحكومة او ممثلي شعب او الشعب ذاته، واليوم كلنا مجتمعين نقر بالفساد والغالبية منا تريد محاربته والقلة تريد استمراره وتفشيه، لكن كلنا اجتمعنا على الا نريد أن ندفع ثمن الإصلاح وكل طرف منا يرميه على الآخر لكون كل طرف يلوم الآخر بأنه المتسبب بالفساد وليس من مسؤوليته تحمل أخطاء غيره وان ينظف من بعده، فالشعب يلوم الحكومة والحكومة تلوم الشعب والمستفيد هم القلة من يقتاتون على الفساد، وللأسف بواقع الفساد هذا الحديث وهذا الفكر لن يجدي نفعا لكون عاقبة الفساد واستمراره ستهدم وتحطم كل ماهو جيد قائم وكل مستقبل جيد متوقع.
علينا ندرك أن الإصلاح لا يأتي دون ثمن وثمنه قد يكون باهظا لكنه حتما أقل من ثمن استمرار الفساد، والإصلاح لا يستورد من الخارج ببرامج من الأمم المتحدة لكن يبدأ برغبة شعبية مركزها الفرد وحتى نبدأ علينا أن ندرك واقعنا المؤلم ونقبل بثمن الإصلاح مجتمعين.
www.aliafaisalalkhaled.net