«نقاشنا» هو منصة شبابية تهدف الى نشر الثقافة وتبادل الآراء من خلال مناظرات يقيمونها بين فترة وأخرى بين طرفين مؤيد ومعارض لقضية ما، وكان موضوعهم الأخير تحت عنوان «حرية الرأي في الكويت: هل نحتاج للمزيد؟».
وكان حضوري لهذه المناظرة هي الأولى، حيث سعدت بها كثيرا بسبب عدد الشباب الحاضرين ومشاركتهم الواعية والراقية سواء كانت مؤيدة أو معارضة وهو الأمر الذي رمى بظلاله على مستوى المناظرة وقوتها.
من أهم ما استوقفني حقيقة في النقاش مع الحضور هو موضوع كان ولايزال يشغلني فكريا وبشكل كبير، بغية محاولتي للوصول الى فهم متكامل بخصوصه، الا وهو قضية «لماذا نخاف من الرأي؟»، ففي إحدى المداخلات من أحد الحضور الذي تساءل بشكل فلسفي عن ماهية القانون ومدى تأثيره مع وجود عوامل إنسانية متغيرة يمكن لها أن تؤثر على القانون وتخرجه عن هدفه أحيانا، أتاه الرد من المناظر المعارض بأن القانون وضع لضمان الانضباط، كون الحاجة الى القانون تأتي من مبدأ الفراغ الذي يملأه القانون بتشريعاته لضبط السلوك، وأن المبادئ العامة هي من تحدد السلوك المطلوب لمواجهة ظاهرة ما.
حقيقة لم أقتنع بهذا الرد، لأنه لم يشكل لي مرتكزا مرجعيا عاما لإقحامه للقانون بعملية ضبط السلوك والذي يقره ويحدده كمبدأ عام، والذي بدوره أوصلنا إلى تساؤل آخر وهو من يحدد المبدأ العام؟ وقد عبر عن تساؤلي هذا مداخلة أخرى من أحد المشاركين الذي طرح تساؤلا للطرف المعارض: «من يحميني إن كنت أمتلك رأياً ووجهة نظر تخالف المبدأ العام الذي حدده المجتمع؟ فدعوة تغليب المبدأ العام تمنعني من التعبير عن الرأي رغم أحقيتي به».
وحقيقة كان سؤالا مستحقا، فهل القانون سيحميه وهو القانون ذاته المستمد من المبدأ العام؟ وعليه، هل فعلا نمتلك حرية رأي؟ لذلك أتساءل مجددا «لماذا نخاف من الرأي؟» ولماذا نسلط القانون عليه؟ هل لأننا نتوقع احتمالات سلبية كنتائج لهذا الرأي؟ وإن كان، فنحن نقر، بالعمق، بأنها احتمالات، والاحتمالات لها وجهان إما إيجابي أو سلبي، فلماذا نوجه تركيزنا على السلبي دون الإيجابي وننفي الإيجابي منه؟
ردا على ذلك، ورد سؤال جميل عن كيفية مواجهة خطاب الكراهية؟ وهذا السؤال كان خير ختام للنقاش، حيث ربط محاور النقاش المختلفة ببعضها من خلال رد الطرف المؤيد، الذي قال إن المجتمع المدني بمؤسساته هو من يتصدى لخطابات الكراهية وليس القانون، مستشهدا بشواهد منها سلمان رشدي الذي ألّف كتاب «آيات شيطانية»، حيث كان استنكار المسلمين، كأفراد ومؤسسات، هي حقيقة من قامت برفض وتحجيم فعل المؤلف المناهض للإسلام وليس القانون، رغم إعلان إهدار دمه، وهو الأمر الذي لم يتحقق بسبب قوانين أخرى حمته (القانون البريطاني).
نستنتج من هذا النقاش أن الحريات هي من تحمي المبدأ العام المتفق عليه وليس القانون، كون الحرية التي امتلكها المسلمون هي من تصدت لرشدي وسلوكه، وإن المبدأ العام متغير مرن تبعا للزمان والبيئة لينتج سلوكياته المتعارف عليها، لذلك يصعب تقييده بقوانين كونه عاملا متغيرا، لكن لماذا نتمسك بالقانون ونطالبه بحماية مبادئنا العامة؟ هل لأننا لا نثق بها، أم لأننا نعتقد أنها هشّة؟ لذلك يبقى تساؤلي الأساسي «لماذا نخاف من الرأي؟» معلقا، لكن في المقابل تيقنت بعد ما شهدت هذا النقاش الجميل أن هناك شبابا رائعا صاحب وعي وإدراك عميقين، قادر على النقاش الموضوعي الراقي والمحترم ليرتقي بنا فكريا لمستقبل أكثر استنارة.
www.aliafaisalalkhaled.net