عنوان هذا المقال للكثير قد يبدو بأنه متناقض لكنه بواقع الحال المعرفي يعكس مفهومين متسقين، فالكثير من الإسلاميين وضعوا الليبراليين بموقع المواجهة لهم، كما فعل كذلك الليبراليون، الإسلاميون يرون أن الليبرالية ترويج للحرية المطلقة وبالتالي تنادي بالتفسخ والانحلال من القيم والأخلاق. كما يرى الليبراليون أن الإسلاميين يروجون للتشدد والتزمت والقيود والتبعية وحجب الفكر، لذلك نجدهم في الساحة في صدام حاد ودائم يدافعون عن مفاهيم لا تعكس واقع الليبرالية ولا واقع الإسلامية.
وصل هذا الصدام اليوم للمؤسسات الرسمية للدولة فنجد نائب مجلس الأمة رياض العدساني يقود مواجهة ضد جمعية الحرية الليبرالية ليتصدى لتغريدات كتبها بعض منتسبي الجمعية على حساباتهم الخاصة، مدافعا بذلك عن الإسلام من خلال موقعه النيابي مستخدما «تويتر» كمنصة لإيصال رسالته بأسلوب قد لا يتفق معه الغالبية، ومستخدما كذلك صلاحياته النيابية مثل التهديد بالاستجواب. حديثي هذا لا ينكر خطأ ومسؤولية جمعية الحرية الليبرالية ومنتسبيها بأسلوب توجههم المستخدم في التصدي لبعض المتشددين بالدين وعكس مفاهيمهم تجاه الدين، والتي أرى شخصيا أنها تستخدم الأسلوب الخاطئ الذي لا يعكس معنى وجوهر الليبرالية خاصة وإنهم يمثلون جمعية نفع عام، أي جهة رسمية وليسوا هواة.
صراع كلا الطرفين بالواقع هو صراع مفاهيمهم الخاطئة وليس صراعا بين ليبرالية وإسلامية، لكون الليبرالية بالمختصر تعني حرية التعبير واتخاذ القرارات الخاصة مع تحمل المسؤولية، فإن انتفت المسؤولية تنتفي الحرية وتتحول إلى عبثية. كذلك الإسلامية تمثل دين الحرية الذي أتى بالدعوة من خلال الموعظة الحسنة دون إجبار، أي بالسماحة، وهناك الكثير من الآيات التي تؤكد ذلك مثل (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) و(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) و(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وغيرها من الآيات، فإن انتفى جوهر الدين التسامحي تحول إلى جبرية.
من ذلك أيضا نفهم أن الفكرين الليبرالي والإسلامي يتحققان من خلال النسق الاجتماعي للمجتمع الذي يراعي طبيعته ومفاهيمه وعاداته، وهذا ما حصل مع الليبرالية في أول ظهورها في فترة الثورة الفرنسية حيث كانت نتيجة للقمع والجبر الذي كان يمارس بالمجتمع، كذلك ما حصل بفترة بداية الدعوة الإسلامية ونهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التسامحي بالدعوة الذي راعى به النسق الاجتماعي حينها، والذي بواسطته استطاع نشر الإسلام وإرساءه.
من ذلك نرى أن الخلاف بين الليبرالية والإسلامية خلاف مفاهيم خاصة للبعض يغلب عليها التشدد والعصبية وسوء اللغة كما هو خلاف متأصل ناتج عن عقود مضت غلب عليه التشدد الديني من خلال ما يسمى بـ«الصحوة الدينية» التي اجتاحت مجتمعنا في الثمانينيات من الألفية المنصرمة وأنتجت لنا اليوم صراعا انفعاليا طرفه الأول متشدد يحاول المحافظة على مكانته المجتمعية باسم الإسلام ويرى بالطرف الآخر تهديدا له يتوجب اقتلاعه، كما أن الطرف الثاني يعيش رد فعل الجبر والتشدد والرفض الممارس ضده لكون مفاهيم الطرف الأول تتعارض مع مفاهيمه في حرية الرأي والتعبير والتقرير ويجب دحره. كلاهما لم يدرك ان أساس الصدام هو قضية خلاف على مفاهيم خاصة بهم وليدة نتائج ماضية ولدت انفعالات متطرفة متشددة خلت من المسؤولية لتنتج الجبرية والعبثية باسم الدعوة والحقوق. أتمنى الهدوء من كلا الطرفين وإعادة النظر بمفاهيمهم حتى يستطيعوا تسخير ما يمتلكون من طاقات (يستنفذونها اليوم على صدام) في قضايا البلد ومشاكل الشعب كلا في نهجه، حينها فقط سيدركان أنهما متسقان لا متناقضان.
www.aliafaisalalkhaled.net