يسمي الاقتصاد الخدمات العامة للدولة كالبنية التحتية والجيش والصحة والتعليم وغيرها «السلع العامة» لأنها تتطلب تمويلا نظرا لتكلفتها، وعادة ما تتكفل الحكومات بهذا التمويل وتعمد الحكومات لأساليب مختلفة لتمويلها فمنها: (1) التمويل المتحصل من الضرائب المباشرة كضرائب الدخل، (2) والتمويل المتحصل من الضرائب غير المباشرة كضريبة پيغوفيان الخاصة بالضرائب التغريمية، (3) والتمويل المباشر من خزينة الدولة والمال العام (أي من إيرادات الدولة الإنتاجية) إذا كانت الدولة غنية بسبب صادراتها الثمينة كحالنا بالكويت التي تعتمد إيراداتها على تصدير البترول.
فنتيجة لصادراتنا يتمتع المال العام والميزانية العامة للدولة بوفر كبير، لكن مؤخرا تحول الوفر الى عجز أصاب المال العام وذلك لأسباب عديدة منها ممارسات وقرارات وسوء إدارة وغياب تخطيط، لكني سأختزلها بمثال حي حصل مؤخرا:
٭ تم استخدام المال العام في بناء البنية التحتية للدولة من شوارع و«مجاري» وصرف صحي وبناء مدن سكنية جديدة (لتوفير سلع عامة) والعمل على صيانتها الدورية، من خلال ترسية مناقصات متضخمة القيم وبأضعاف مضاعفة على شركات أُنيط بها التنفيذ حسب المواصفات المطلوبة، وتضخم قيم هذه المناقصات هو ناتج عن تضخم الأرباح غير المستحقة المضافة لتكلفة هذه المناقصات والتي دفعت أيضا من المال العام.
٭ كشفت الأمطار المؤخرة سوء التنفيذ لهذه الشركات وضعف رقابة الوزارات والهيئات المسؤولة، وتشارك الطرفان (الخاص والحكومي) في فساد هذه المناقصات، وكنتيجة لاحتواء الغضب الشعبي الناتج عن غرق المنازل والشوارع بسبب سوء التنفيذ والصيانة، قررت الحكومة تعويض المتضررين من المال العام.
٭ الحكومة أيضا مضطرة لتعديل وإعادة بناء البنية التحتية وصيانتها مرة أخرى، لتفادي تكرار الأحداث والأضرار التي حصلت، وهذه التكاليف طبعاً ستدفع من المال العام.
٭ كل ذلك والمال العام يعاني من عجز دفع بالحكومة الرشيدة باتباع سياسات شد الحزام والتعديل على كثير من بنود المصروفات والمخصصات بالميزانية مثل بنود التدريب والبحث العلمي ورفع الدعوم كرفع الدعم عن البنزين، كما حدا بها للاقتراض من جهات دولية لتغطية العجز بالميزانية والمال العام.
٭ رغم كل هذه المعطيات والظروف المالية الصعبة واستنزاف المال العام والاقتراض إلا أن الحكومة عجزت عن تحويل الشركات المسؤولة عن التنفيذ والتخطيط والصيانة الى النيابة العامة للمطالبة بالمحاسبة والعقوبة، والأهم استرجاع القيم لتعويض المال العام!
أتساءل: من سيعوّض المال العام من هذا الهدر والتخبط بإدارته؟ من سيعوّض المال العام والحكومة تعجز عن محاكمة الشركات المسؤولة عما حدث؟ من سيعوّض المال العام مستقبلا بعد تحميله فوائد قروض وإدخاله في دين عام ستتحمله أجيال قادمة في ظل حكومة تعجز عن الترشيد وحسن الادارة ومحاكمة فاسدين متلبسين بالجرم المشهود؟!
ان كانت الحكومة تعتقد بأنها ستعوض العجز من رفع الدعوم أو من الاقتراض وهي مستمرة بحمايتها لسراق المال العام، فأود ان اذكّرها بمعادلة اقتصادية بسيطة تحدد متى نستخدم الدعوم ومتى نستخدم الضرائب:
«ان كانت تكلفة نشاط ما على المجتمع أعلى من التكلفة الخاصة وجبت الضريبة، وان كانت تكلفة نشاط ما على المجتمع أقل من التكلفة الخاصة وجب الدعم». للأسف حكومتنا لديها نظامها الاقتصادي الخاص بها وهو عكس المعادلة السابقة لتدعم التكاليف الخاصة ولتضخم التكاليف العامة انتصارا لحفنة فاسدة من الأفراد!
www.aliafaisalalkhaled.net