نسبة 30% الى 70% في التركيبة السكانية الكويتية هي قديمة منذ الستينيات، ففي أول تعداد رسمي للسكان سنة 1965 كانت نسبة الكويتيين 36.1% مقابل 63.9% لغير الكويتيين، ولم نرَ أي تذمر من التركيبة السكانية مثلما هو حاصل اليوم وفي السنوات الأخيرة.
يرجع السبب في ذلك، برأيي، الى عاملين:
الأول: التغير في النوع، حيث كانت الدولة بالسابق تعتمد على الوافدين من ذوي الخبرة والمهارات لنقل المعرفة، أما بالعقود الأخيرة المنصرمة، وخاصة من فترة ما بعد التحرير الى يومنا هذا، تحول نوع أغلب الوافدين من أصحاب مهارة ومعرفة عالية الى أصحاب مهارة ومعرفة منخفضة.
الثاني: شح الموارد المتاحة بسبب ضعف تطبيق القانون والقفز عليه وانتشار المفسدة التي أباحت لكل صاحب ضمير ضعيف منعدم الأخلاق أن يستغل ذلك لمصالحه.
فالوظائف العامة والأسرة الطبية مثلا أصبحت قليلة، وبعض التشريعات أصبحت تميل كفتها لخدمة الوافد، والطرق أصبحت مزدحمة والضغط على البنية التحتية مثل الماء والكهرباء، حيث أصبحت بحدودها القصوى، وغيرها من المشاهدات والنتائج.
وهذا بسبب عدم وجود رؤية للدولة تحدد من خلالها نوع العمالة الوافدة المطلوبة وعددهم ومجالات عملهم، وانعدام ضوابط آلية الاستقدام وفترة البقاء بشكل يحقق هدف الاستقدام، فالحكومة لا تمتلك تقدير احتياج حقيقي لاحتياجها ولا تمتلك حصرا دقيقا لأنواع الأعمال التجارية الخاصة الحالية والمستقبلية لتحدد سقفا للوافدين والنوعية المطلوبة.
ولهذا السبب اختل التوازن بين القدرة التشغيلية للخدمات والأعداد المقدم لها الخدمات.
ونتج عن هذا الإهمال والتقاعس الحكومي فتح ثغرات كبيرة بنظام الاستقدام والكفالة وأنتج «تجارة إقامات» وسوقا سوداء لها.
ففي فترة أزمة كورونا تكشفت لنا حجم قضية تجارة الإقامات وأعدادهم المهولة والظروف المعيشية المزرية ودرجة تفشي هذه التجارة اللا أخلاقية وتغلغلها بين مسؤولي الدولة سواء من خلال الاستفادة المباشرة أو التسهيل أو التستر.
ونتج عنها بالمقابل إجهاد وهدر لطاقات الكوادر الطبية والأمنية وزيادة خطر انتشار الوباء بأعداد كبيرة نظرا لظروفهم المعيشية السيئة ومستواهم العلمي والثقافي المتدني، واستنزاف وهدر لأموال الدولة من خلال الخدمات المجانية المقدمة لأعداد كبيرة، وهذا خلل آخر بالتوازن بين الإيراد (الإنتاج) والمصروف (الخدمات) فوجود هذه الأعداد كان يفترض به أن يرفع ويساهم بالاقتصاد والناتج المحلي للدولة وليس إضعافه باستنزاف ميزانيتها بسبب استفادة البعض الشخصية من خلال متاجرة غير مشروعة.
الإهمال الحكومي وتخبطه سواء خلال أزمة كورونا أو قبلها هو بسبب عدم وجود لغة حوار عالية المستوى بين المسؤولين واتفاقهم على البلد والقرارات التي تخدمه، بسبب صراعات القوى السياسية وافتقادهم للاتفاق على أولويات استقرار البلد.
فبالأمس والى اليوم هم عاجزون عن وضع قانون (قوي وفعال وليس أي قانون) يصنف تجارة الإقامات كجريمة ويحدد شكلها وأصنافها وعقوبتها، كما هم عاجزون عن وضع تقدير احتياج حقيقي للدولة يحدد عدد ونوع العمالة المطلوبة، كما ذكرت أعلاه، وعاجزون عن عمل حصر حقيقي لأعداد الوافدين بالكامل وآليات تصفيتهم، وعدد الولادات سواء المسجلة أو غير المسجلة مثل الذين تمت ولادتهم في مناطق كجليب الشيوخ، حيث إن عدم الحصر هذا سيؤدي مستقبلا إلى وجود مشاكل إنسانية كبيرة ومتعددة وقد ينذر بوجود مشكلة بدون جديدة.
[email protected]