تصريح وزير المالية والخاص بعجز الدولة عن دفع الرواتب لا يعني إفلاس الدولة، لكنه يعني سوء إدارة الحكومة والمجلس للدولة، لكون الرواتب تدفع من النقد، والنقد هو أحد الأصول وليس كل الأصول المملوكة للدولة.
تصريح وزير المالية معيب بحق الحكومة التي عجزت عن حماية أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة خلال أزمة كورونا وهددت موظفيها بعدم دفع رواتبهم، دون ذنب أو خطأ منهم لكن بسبب سوء إدارة الحكومة للدولة وضياعها وسوء استخدام واستغلال النقد.
نحن لدينا «تنمية وهمية» تعتمد على الإسمنت والكونكريت لبناء مبان وطرق سريعة، ولا تهتم بالبناء البشري الحديث الذي يعتمد على «الاقتصاد المعرفي»، وهذا الوهم التنموي أحد الأسباب الرئيسية في استنزاف النقد، فالبناء العمراني عنصر ثانوي (by product) ناتج عن تنمية بشرية لتحقيق رؤية محددة، وليس الأساس التنموي.
نحتاج اليوم لعمل نقلة في اقتصادنا من خلال استغلال موارد الدولة الطبيعية وموقعها الإستراتيجي ونخلق تعدد وتنوع بمصادر الدخل (مثل الصناعات البتروكيماوية، صناعات التكنولوجيا، الطاقة البديلة، الاستثمارات العالمية.. الخ) ويكون من خلال عمل شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، خاصة مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة لأنها تشكل القلب النابض لأي اقتصاد، لينتقل فيها الفرد من شخص مستقبل للمال إلى شخص شريك في عمل المال أي منتج، وحتى يتحقق ذلك يجب أن تكون هناك نقلة عقلية ثقافية فكرية تنقلنا من السلوك الريعي إلى السلوك المنتج.
والريعية هنا تعني الاعتماد على مصادر محددة للدخل مسيطر عليها من قبل القلة، وهذه السيطرة تخلق بدورها محاصصة وولاءات لشخوص وليس للبلد، فتنشأ عقلية الريعية (توزيع الكيكة)، ومن أبرز نتائجها ضعف الأداء المؤسساتي للدولة (البيروقراطية وانتشار الفساد)، ضعف العملية الإصلاحية وضعف التمثيل النيابي والأداء البرلماني وظهور مشكلة «Principal-Agent Dilemma» والتي كانت أبرز صورها «قضية القبيضة».
صحيح أن شح أو نقص النقد لا يعني إفلاسا، لكن استمرار العوامل والأسباب التي أدت إلى نقص النقد حتما ستؤدي إلى إفلاس لأنها سوء إدارة وتخبط ناتج عن عدم وجود رؤية للبلد لأنها تدار بالعقلية الريعية، ففي أزمة كورونا تم التخلي عن أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومن بعدها تم تهديد الموظفين بعدم دفع رواتبهم لأن أصحاب هذه القرارات يعملون بالعقلية الريعية، التي تستبيح الدولة، لا بالعقلية الإنتاجية التي تبني الدولة.
[email protected]